بشرى فيصل السباعي
من السيناريوهات الحزينة المؤسفة التي باتت معتادة، فتاة تنتحر ويغلق ملف قضيتها بعبارة إنها كانت تعاني من أحوال نفسية، ليتبين لاحقاً عبر كتابات قريباتها وصديقاتها بمواقع التواصل أن أهلها حبسوها ومنعوها من التعليم والعمل والعلاج والتواصل مع قريباتها، بل حتى مع والدتها المطلقة، وفوق هذا تعنيف شديد يصل لدرجة إصابتها بتشوهات وإعاقات وتجويع وعضل عن الزواج، إما لأن الولي المستبد بها ينتقم من طليقته في ابنتها أو مدمن وصاحب سوابق إجرامية أو مصاب بمرض وسواس الارتياب والشك، أو يبتزها ليجبرها على التنازل عن إرثها أو لترضخ لإرادته بيعها بمسمى المهر لكهل معدد محتضر أو بسبب زوجة أب تعذبها، ثم عندما تنتحر يتم تحميل المسؤولية عن الانتحار للضحية وليس للجاني الحقيقي الذي وضعها بحال احتماله فوق طاقة البشر.
ولهذا بكثير من دول العالم بالغرب والشرق هناك قانون يجرم ما يسمى بلغة القانون «Abetment of suicide- الدفع للانتحار»، وتصل عقوبته ببلد كالهند للسجن عشر سنوات وغرامة مالية رادعة، وتجريم وضع أحد بظروف تدفعه للانتحار، وترتب عقوبة رادعة عليه يعد أهم وسائل الوقاية من سوء المعاملة والعنف الأسري المادي والمعنوي، وبالتالي سيخفض أعداد المنتحرين والمنتحرات بخاصة من الفئات المستضعفة اجتماعياً كالنساء والصغار والخدم والعمالة.
كما أنه حصلت حالات انتحار صادمة بالعالم العربي، كان المنتحر قد كتب عبر حساب له بمواقع التواصل عن نيته للانتحار، وغالب الردود كانت ساخرة وتحثه على الإسراع بالانتحار، وحالات أخرى انتشرت مقاطعها منها لشخص وقف فوق مبنى لينتحر، وبدل أن يحاول من هم بالمكان إقناعه أو إقناعها بالعدول عن الانتحار، صاروا يحرضونها على الانتحار وبشكل ساخر مستخف بمأساتها، لأنهم يريدون تصوير مقطع الانتحار ليحقق لهم عدداً كبيراً من المشاهدات.
والإنسان عندما تراوده نية الانتحار يكون بأضعف حالاته نفسياً لدرجة أن مجرد قول ساخر يحثه على الانتحار، يكون كافياً لحسمه قرار الانتحار، وكان يمكن أن يتراجع عنه لو حاول أحد إقناعه، ولو كان هناك قانون يجرم «دفع الشخص مادياً ومعنوياً للانتحار»، لما كان أمثال هؤلاء ساهموا بتعزيز دافع الانتحار لدى المنتحر، ومن ذات المنطلق يجب أن يكون هناك قانون يجرم عدم تقديم المساعدة المادية والمعنوية اللازمة لإنقاذ أحد من الخطر والضرر، وهناك حاجة لمراجعة الإجراءات الاحتياطية التي جعلت الناس يمتنعون عن نقل المصابين خشية إدخالهم السجن احترازياً، وسرعة نقل الحالات الطارئة للمستشفى عند تأخر الإسعاف يعني الفارق بين الحياة والموت.