سلمان بن محمد العُمري
الإحسان للناس قولاً وعملاً، وباللسان والبنان من أرقى الصفات الإنسانية والأخلاق الحميدة، وهناك من رزقهم الله الاثنين طيب الكلام وحسن الفعال، وهناك من حرم منهما جميعاً نسأل الله العفو والعافية، وهناك من قصرت يده ولكن لسانه طيب ولا يخرج إلا طيباً، ولكن ثمة حالة جمعت النقيضين وهي الإحسان بالبنان مع بذاءة اللسان وهذه الصفة الأخيرة تنسف كل جميل من الأفعال.
ومن المظاهر المذمومة لدى البعض أنه يكون محسناً مع الناس ومبادر لفعل الخيرات، لكنه يبطل إحسانه ومعروفه وصدقته بالمن والأذى، والله سبحانه وتعالى نهانا عن فعل ذلك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ، فالواجب على من أحسن إلى الناس أن لا يمن عليهم بما أسدى لهم من خدمة أو معروف وألا يحرج مشاعرهم عند الآخرين بذكر معروفه ونفقته، ومما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: المعروف أوثق الحصون، وأفضل الكنوز، وأزكى الزروع، وأرشد الأمور، غير أنه لا يصلح إلا بثلاث:
تعجيله، وتصغيره، وستره فإنك إذا عجلته فقد هنأته، وإذا صغرته فقد عظمته، وإذا سترته فقد تممته.
إن تمام الأجر لا يقف عند حدود بذل المعروف فقط بل يتبع ذلك خلق كريم وهو الستر وعدم المن والأذى، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، هذا هو الوعد الرباني الذي يجب ألا يغيب عن أذهان كل صاحب معروف وإحسان وصدقة بأن يتمم أجره ولا يفسد عمله بالمن والأذى، ومن ذلك التبجح بالمجالس بأنه تم إعطاء فلان أو مساعدته أو التفاخر بما أسدى إليه من معروف، وإن إحجام البعض وامساكهم عن المعروف وإن كان خصلة غير محمودة لهو أهون وأخف وقعاً على الأنفس من شخص ينفق ثم يؤذي الآخرين بالمن والأذى، فما أسوأ الاحجام وأسوأ منه المنة والأذية، وأفضل العمل:
البذل والستر، ولذا كان وصف النبي صلى الله عليه وسلم بخير مثال حين قال: ورجل أنفق نفقة حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه فما أعظمه من وصف بليغ.
ولله الحمد والشكر فإن الخير وأهل الخير في هذه الأمة المحمدية باق إلى يوم القيامة، وكم سمعنا من مواقف وأعمال تسجل بمداد من ذهب لأصحابها ولم نعرفها إلا بعد وفاة أصحابها لتكتمهم عليها، وعدم رغبتهم في ذكر ما قاموا به، والاكتفاء باسم (فاعل خير) ولم يتبين اسم من قام بهذا العمل إلا بعد وفاة صاحبه وحديث من شملهم المعروف والإحسان، جعلنا الله وإياكم من أهل الخير والمعروف.