خالد بن حمد المالك
كلَّما حاولت أن أتتبَّع مصدر الفوضى وفقدان الأمن والحروب الأهلية في أغلب دولنا العربية لأتعرَّف أكثر وأعمق على أسرارها وأسبابها، ظهر لي واضحًا لا لبس فيه اسم إيران وتركيا لا غيرهما، سواء جاء تآمرهما مباشرةً أو من خلال الوكلاء المحليين؛ ليكون تفسيري الواثق لهذا التدخل العدواني الشرس، أن هذه تتطلع إلى قيام دولة فارسية واسعة، وتلك تمني نفسها بإحياء الإمبراطورية العثمانية بامتداد حدودي واسع يمنحها مكاسب لا تتحقق لها بوضعها الحالي.
* *
هذا الثنائي الخطر، موجود خارج الأبواب المغلقة وأحيانًا داخلها، فللدولتين عناصر محلية -وقد تكون نافذة- تأتمر بأمرهما، وتستجيب لتوجيهاتهما، وتنفِّذ ما يراه هذا الأجنبي الحاقد، ملتزمة بالأجندة التي تتبناها طهران وأنقرة، مثلما نرى ذلك من الإخوان المسلمين السُّنة في مصر وتونس والجزائر وغزة، وفي لبنان واليمن والبحرين مع المسلمين الشيعة، أحياناً بتوافق وشراكة بين الثنائي الخطر وهؤلاء، وأحياناً بانفراد أحدهما دون الآخر بما يلبي أطماعه، وفقاً للتنسيق بينهما.
* *
أحياناً أخرى يكون التدخل على المكشوف كما هو التواجد الإيراني القوي والمؤثر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكما هو تواجد تركيا في ليبيا وسوريا وتونس وقطر، فهما بذلك وجهان لتآمر واحد، وأهداف مشتركة، بل وأحياناً يمتد تدخلهما إلى خارج خارطة العالم العربي، إلى جيرانهما كما هو تدخل تركيا على الحدود المشتركة مع اليونان وقبرص، ثم مع أذربيجان وأرمينيا في خلافاتهما المزمنة، أي أننا أمام دولتين لا يمكن أن تتعايشا مع غيرهما، أو تكفَّا عن إيذاء الدول الأخرى.
* *
وغير ذلك هناك محاولات إيرانية وقحة لإثارة الأقليات الشيعية في المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، وأينما وُجِد مَنْ يكون معتقدهم على المذهب الشيعي في مختلف دول العالم، بتدخلات ترقى أحياناً إلى ممارسة العمليات الإرهابية من تفجيرات وغيرها، كما حدث أخيراً في المملكة، وذُكرتْ إيران بالاسم على أن ثلاثة من الإرهابيين العشرة تلقوا التدريبيات في إيران على صناعة المتفجرات واستخدام الأسلحة، أي أننا أمام دولتين إرهابيتين تتأكد حقيقة ذلك من خلال الوقائع والممارسات ما خفي منها وما ظهر.
* *
في تركيا كما هي إيران، فإن هذا الثنائي هما من شجَّع على انفصال غزة عن محيط حلم قيام الدولة الفلسطينية، وباتجاه توظيف الدعم التركي - الإيراني لصالح إسرائيل وإن ظهر على السطح وفُهِم من السذج على أنه غير ذلك، وصولاً لجعل الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني بمنزلة المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية، التي ظل الفلسطينيون لا يلقون لها بالاً، ولا يعترفون بأن هذا التشرذم الفلسطيني هو وليس التطبيع مَنْ سيضعف فرصة إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
* *
المحور التركي - الإيراني، مدعوم من قطر والإخوان المسلمين، والأحزاب الشيعية، وهو أساس الصراع الطائفي والمذهبي والقومي في بعض دولنا، وهو من يجب مواجهته سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، وإن تطلَّب الأمر عسكرياً، وعزل كل من يتآمر معهما من العرب سواء على مستوى الدول أو التنظيمات أو الأشخاص من أي تعاون أو تنسيق للحد من شرهم، طالما أن الخيانة في مواقف هؤلاء أصبحت أوضح من الشمس في رابعة النهار.