عبد العزيز الصقعبي
له وظائف محددة وله حكايات كثيرة، وحقق في زمن سابق شهرة غير مسبوقة ليترنم باسمه بعض الفنانين في السبعينيات الميلادية وما قبلها، إنه المنديل، يذكر البعض الفنانة توحة وهي تحكي قصتها، مخبرة أن ذلك الحبيب أشّر لها بالمنديل ليخبرها بأنه سيرحل فبدأت تغني «أشر لي بالمنديل وقال أنا ماشي»، لماذا المنديل تحديداً، ربما لأهميته، قد يكون وسيلة تواصل بين حبيبين، وبكل تأكيد نتذكر فيروز حينما طلبت من مرسال المراسيل أن يأخذ منديلاً على طريقة «بدر بك» ويعطيه حبيبها، إذا هو وسيلة تواصل ورساله بين المحبين، يؤكد ذلك عبدالحليم في أغنية موعود وهو يقول «ميل وحدف منديله كاتب على طرفه أجي له» على عكس عليا التونسية ثم أصالة التي حددت وظيفة المنديل لمسح دموعها بمنديل الحبيب في أغنية «ع اللي جرى»، وماهر العطار يجعل له وظيفة ثانية فهو يطلب أن يفرش منديله على الرمله ليأتي لحبيبته نواره «إفرش منديلك ع الرملة وأنا ألف وأجي لك ع الرمله» كل ذلك في زمن الطيبين بل إن أحد الفنانين السابقين تغنى مباشرة بالمنديل، حيث غنى عبدالعزيز محمود «منديل الحلو يا منديله.. على دقة قلبي بغني له»، أريد أن أخرج من دائرة الغناء والمغنين، ولكن بكل تأكيد نتذكر «منديل الست» سيدة الغناء العربي أم كلثوم، أعتقد أن الزائر لمتحفها سيلفت نظرة مناديلها المتنوعة والتي كما يشاع أنه بيع أحدها بمبلغ كبير جداً، تلك المناديل أمسكت بها وهي تغني أغنياتها الشهيرة، قيل إنها تساعدها على عدم التوتر أمام الجمهور، وقيل أصبح عادة لها الإمساك بالمنديل أثناء الغناء.
بعيداً عن الرومانسية، فنحن نعرف أن للمنديل وظائف وضيعة متعلقة بتنظيف الوجه وتحديداً الأنف، ولكن ما يجعل البعض يتوقف عند تلك القطعة من الملابس الرجالية والنسائية على حد السواء، أنها في زمن سابق حاضرة في حياة الناس، بشيء من الاحترام، كانت فعلاً جزءًا من الملابس، ومع تطور الزمن تحول القطن والحرير الذي ينسج منها المنديل إلى ورق شفاف ناعم يستهلك لمرة واحدة ويرمى بعد ذلك، أتذكر أن بعض الأصدقاء عندما نجلس حول طاولة لشرب الشاي والقهوة أو للأكل يأخذ المنديل الورقي الذي أمامه ويبدأ بالرسم والكتابة عليه، ربما بعض المناديل تغري بذلك، ربما في الحفلات الغنائية يكون منديل الورق وسيلة لفرصة سماع أغنية معينة من مطرب، ولكن قد يكون ذلك المنديل الورقي مساعداً لحفظ مطلع قصيدة، أو نص قصصي، ربما يعاد كتابته على ورق مخصص للكتابة في وقت لاحق أو في الحاسب الآلي، ونحن نتحدث عن الشعر بكل تأكيد معجبي محمود درويش يتذكرون قصيدته «المناديل» وتلك الصورة السوداء وهو يقول «كفنٌ مناديل الوداع»، ليس هذا فقط بل يكاد في قصيدته أن يسمعنا «شهقة المنديل»، ليطلب من تلك المرأة التي يخاطبها أن تجعل مناديله ضمادا تلفه حول جرح بلاده.
من جانب آخر، يرى الشاعر السوري رياض الصالح الحسين أنه «لا فائدة من البكاء.. ما دامت المناديل لا تكفي لتجفيف الدموع»، بكل تأكيد أن هنالك بعض الشعراء الذين ذكروا المناديل في قصائدهم، وبالطبع قد وردت في كثير من الروايات والقصص القصيرة ولا ننسى أن المنديل كان حاضراً في الأفلام هل تتذكرون فيلم «المتدرب» بطولة روبرت دي نيرو، واستخدامه منديل القماش، ولكن لماذا أنا أكتب عن المناديل هنا، تلك القطعة المربعة من القماش أو الورق، لم أفكر بهذا السؤال إلا الآن، ربما تذكرت عندما كنت طفلاً ابن جارة لنا عمره سنتان كانت أمه تعلق منديلاُ على صدره بمشبك، كان الثوب الذي يلبسه ذلك الطفل مائلاً إلى الاصفرار من اللعب بالتراب، والمنديل لا يزال يحتفظ ببياضه النسبي، الجميل أنني أفكر بالمناديل التي يحملها الناس، وهي على وضاعتها أفضل بكثير من مناديل المراحيض، ولكن أعتقد أن كلمة محارم ورقية هي الكلمة الأصح لما يستخدم للنظافة، وليبقى المنديل يحتفظ بقيمته، وخصوصيته، بل إن بعض مناديل القطن أو الحرير تزدان بنقوش جميلة، ورموز أو أسماء أشخاص، هنالك منديل يوضع بطريقة خاصة في جيب الصدر في البدل الرسمية، وهنالك طرق مختلفة لطي المنديل ووضعه بالجيب، تذكرت الثوب أو ما يسميه بعض أهل الخليج «الدشداشة» هل فكر أحد أن يضع المنديل في جيب الصدر، سؤال غريب وأخاف أن أقول غبي لذا من الأفضل أن أتوقف عن الكتابة.