د.عبدالله الغذامي
كل العلوم التي في رأس نيوتن لا تشرح ما حدث، وهو أن تفاحة سقطت من الشجرة، والفارق الحاسم هنا أن نيوتن لم يجعل ذلك حدثًا عاديًا وإنما قرر أن يشغل نفسه بالحدث ويعترف أولاً بعجز العلم، وهو عجز يقتضي الاشتغال لرتق هذه الثغرة العلمية.
وكما هي مقولة أبي حامد الغزالي بأن ميزة العقل هي في قدرته على كشف عجزه، فإن العلم أيضًا يتميز تبعًا لقدرته على كشف عجزه. وفي قصة نيوتن مع التفاحة يتضح أثر وعي العلم بعجزه، فنيوتن كان عالمًا رياضيًا وعالم بصريات وتحتله الأسئلة العلمية، ولذا فإن سقوط التفاحة وضعه ووضع قوانين الطبيعة أمام تحد مباشر، فهذه التفاحة سقطت من الشجرة فلماذا سقطت، ولماذا تعجز علوم عصره وما قبل عصره عن الجواب مما دفعه للبحث عن جواب يسد هذا العجز العلمي وانتهى بكشف عظيم غيَّر مسار العلم الطبيعي. وهذا ما يوضح مقولة الغزالي عن ميزة العقل، فكلما أدرك العقل عجزه في مسألة ما فهو هنا أمام لحظة ميلاد سؤال علمي أو معرفي سيقود لمزيد من الأسئلة ويفتح أبوابًا للمعرفة البشرية كانت منسية. وكثيرًا ما نتعجب من غفلة البشر عن معارف كانت ماثلة ولكنه مثول الصامت الساكن وتتحرك في لحظة شغب لعقل ما أو في مبحث ما. وكم من سؤال قد يتبدى طفوليًا أو فضوليًا كسؤال نيوتن عن سقوط التفاحة، مع أن هذا الحدث الصغير ظاهريًا مر على البشرية كلها ولكنه لم يصادف مشاغبًا مثل نيوتن الذي لم يستطع التسليم بالحدث أو الغفلة عنه ولم تكفه هذه الهدية اللطيفة من شجرة كريمة أهدته تفاحة من إنتاجها بطراوة ونكهة لذيذة، وقد ترك نيوتن هذا الجمال السخي ليشقي نفسه بالسؤال فيصل تبعًا لذلك لكشف واحدة من أهم خصائص الطبيعة وبنية الكون العظيم الذي تنتظمه قوانين تضبط حركته وتفسر جانبًا مهمًا من حقائقه، وهذا ما أذهل نيوتن وقال كلمته المهمة في أن كل كشف فيزيائي يزيده إيمانًا بعظمة خالق الكون، وهو ما سماه كولينز لاحقًا بلغة الإله، واصفًا بذلك الخارطة الجينية (الجينوم البشري). وكولينز هو رئيس الفريق العلمي الذي كشف الخارطة وأعلن عنها بصحبة بيل كلينتون عام 1999.