لا بد للحروف أن تتهيب، وللكمات أن تجفل، وللعبارات أن تهرب وهي في حضرة الأستاذ الدكتور محمد بن صالح الشنطي، هذه القامة الشامخة، والقمة العالية، هذا العلم العالم، الذي وهب حياته للعلم والكتابة والدرس والإنتاج، فأصدر ما يربو على عشرين مؤلفاً في الأدب والنقد واللغة.
وعلى الرغم من انتمائه إلى فلسطين والأردن- مولداً و نشأة-، وعلى الرغم من دراسته في مصر لمراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، فإن انتماءه الحقيقي -إقامة وعملاً وإنتاجاً- إلى المملكة العربية السعودية؛ فمنذ مطلع الثمانيات الميلادية، وحتى يومنا هذا من عام 2020م، وهو حاضر بيننا، يُدرِّس طلابنا، ويُؤلف مقرراتنا الجامعية، ويكتب عن أدبنا، ويشارك في كل ملتقياتنا ومؤتمراتنا، ليس كغريب وإنما كواحدٍ منا، يحبنا كما نحبه، ويعمل بدأب وإخلاص لرفعة وطننا، ولخدمة العلم والأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية.
وإطلاله عابرة على مؤلفاته، تكشف هذا الولع بالأدب السعودي، وتبرز مدى الجهد الذي بذله على مدى أربعين عاماً، فهو مؤلف أول كتاب عن الرواية السعودية (فن الرواية في الأدب العربي السعودي)، وهو مؤلف كتاب (فن القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية)، وهو صاحب كتاب (الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية) في مجلدين، وصاحب كتاب (التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية) في ثلاثة مجلدات، وهو صاحب كتاب (في الأدب السعودي) هذا الكتاب الذي يُدرَّس في عدد من كليات الآداب في المملكة، وهو أيضاً مؤلف: (متابعات أدبية) و(رحلة في آفاق الكلمة) و(آفاق الرؤية وجماليات التشكيل) التي تحمل عدداً كبيراً من دراساته النقدية لإنتاج الأدباء السعوديين.
وليس ذلك بغريب، فمنذ مطلع الثمانينات الميلادية، واسم الدكتور: محمد صالح الشنطي يَرنّ كالجنيه الذهبي في الملاحق الثقافية والأدبية في صحافتنا المحلية، يكتب عن المجموعات القصصية والدواوين الشعرية والروايات الصادرة حديثاً، احتفاءً بإنتاج أدبائنا، ودراسة وتعريفاً بهذا الإنتاج الجديد المتجدد، ويشارك بقراءاته ودراساته لهذا الإنتاج في المؤتمرات والندوات والمهرجانات الثقافية المحلية والعربية، وكأنه لم يعد يعنيه في هذا العالم سوى أدب المملكة العربية السعودية وأدبائها، وبالإضافة إلى هذا الجهد الواضح، في خدمة الأدب السعودي، فإنه أسهم بجهد أكبر في تأليف المقررات الجامعية - لكليات المعلمين سابقاً وكليات الآداب حالياً - فله كتاب في الأدب العربي القديم، وكتاب في الأدب العربي الحديث، وكتاب في أدب الأطفال، وكتاب في المهارات اللغوية، وكتاب في التحرير العربي، وكتاب في النقد الحديث، وكتاب في الأدب الإسلامي، وكتاب في الأدب السعودي، وهي كلها تُدرّس في عدد من الجامعات السعودية.
فهو اسم معروف ليس على مستوى الأدب السعودي فحسب، بل على مستوى طلاب الجامعات الذين وجدوا في كتبه مادة علمية ثرية، أسهمت في بنائهم وتكوينهم المعرفي خلال فترة الطلب الجامعي.
بقي أن أشير إلى نقطتين مهمتين:
الأولى: تتعلق بإسهاماته وحضوره الدائم في مناقشات الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه) وترقية الأساتذة في مجال النقد والأدب في الجامعات السعودية، والثانية تتعلَّق بحضوره ومشاركته في جل المؤتمرات والملتقيات العلمية والأدبية في المملكة العربية السعودية، وهذا الحضور والمشاركة، لا تزال مستمرة وقوية وفاعلة، ففي ملتقى قراءة النص الأخير في نادي جدة، كان الدكتور الشنطي مشاركاً ببحث مهم، فهو على الرغم من مكانته العلمية، وإنتاجه الضخم، فإنه لا يأنف من المشاركة، ولا يعتذر عن الحضور، محبة ووفاءً لهذا البلد، ولأبنائه الذين هم أبناؤه وطلابه وزملاؤه.
وبعد: فهذه تلويحة شكر صغيرة، تحمل في طياتها تحيّة إجلال وتقدير وعرفان لعالم من علماء العالم العربي، سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن صالح الشنطي، صاحب الأيادي البيضاء واللمسات الندية، والعطاءات الثرية في مسيرة الأدب العربي السعودي، وفي مسيرة التعليم والتعلم في بلادنا، -حفظه الله- وأمدّ في عمره على طاعته، ونفع بعلمه وعمله.
** **
حسن حجاب الحازمي - أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة جازان