عقدان من عُمَرِي عمَّرْتِ فيهُمَا روحِيِّ السَّعيدة، رافقتِ تفاصيليّ حتى اِشْتدَّ عود إبداعها وصلب، أزلتِ بضحكتكِ المتاعب والذبول في كل مرّة آتيتكِ عالقة في فخها، كنتِ ولازلتِ لأيامي انتباهات مُمتدّة وصوت اليقين القابع في حناجر الأمهات، سخرّتِ يداك لأنّ تصبح ليّ سعة الفرج في زِحام المواقف وخنقة الظروف ومددّتِهما تجاهي طوال العقدين لتحمينيّ من السقوط في جُرف الحياة، تمتمتِ بأدعية يتقافز بها أسمي مُبتهجًا كل يوم، وانبتتِ سنابل الرضى في بساتيني لأحصد بسمة الاِرتياح التي لا تفارق مُحياي، أنتِ في حياتي نهر عذب لا يعرف مجراه إلا بك، والدعوة الصادقة التي أنقذت العالم من سقوط نيازك الهلاك عليه، أنتِ الذهول الذي أصاب الأبجدية بالعجز عن إتمام وصفك، وأنا من اِعْترف بقلَّة اِتقانه لنظَّم السطور المهيبة لجنابك ومن تودّد لركاكة الكلمات أن لا تحضر أمام سرد فضلك وفشل، وإن كان من شيءِ يُذكر ليّ يا أمي تجاهك رغم قلَّته أمام عظيم صُنعك هو أنِّيّ ختمت على فم الحب من بعدك و تدثَّرت بقربك زُهدٌ عن العالمين، واِسْتعنتُ بكِ في فضاءات روحيّ الرَّحبة كبوصلة أرشدت صاحبها الاتجاه الصحيح ليصل الغاية المنشُودة وهو لا يحمل معه خارطة الطريق، وأنَّني أحبك بكلِّ ما تحمل هذه الكلمة من كثافة شعورٍ لا يُكتب وسأحتقر ذاتيّ إنَّ حاولتُ يومًا أنْ أقيس تلك الكثافة بحروفيٍّ، يا ضلع قلبي الثابت أدعو الله أن لا تغض شمس الحياة طرف وجودك، وأن يهب لكِّ روحِ مُطمئنة ويحفظ تقاسيم وجهك الطاهر من اِرْتباك الأيَّام وهجِّيرُها.
** **
- ريوف الحُميدي