د. عبدالحق عزوزي
شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام الماضية مطالبة أطراف عدة أكثر من أي وقت مضى بإصلاح مجلس الأمن الدولي الذي لم تتغير تركيبته منذ الحرب العالمية الثانية، من دون توقع أي تقدم في هذا المجال. ولا جرم أنه مع جائحة كوفيد - 19 ، بلغت الانقسامات بين الدول الخمس الدائمة العضوية وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، مستويات لم تعد مقبولة بالنسبة للعديد من مكونات النظام العالمي.
ولأول مرة ألقيت الخطابات هذه السنة عبر مقاطع فيديو صور بعضها مسبقاً قبل أيام من بثها؛ فلا أحد تنقل إلى أروقة الأمم المتحدة بسبب تفشي وباء كوفيد - 19 الذي شل العالم في أشهر معدودات، إذ غاب العنصر البشري هذه السنة عن الملتقى الدبلوماسي العالمي الكبير، مع ما يواكبه من لقاءات ثنائية بعيداً عن الأضواء؛ وأصبحت صور الجمعية العامة شبيهة بمشاهدة فيلم في صالة سينما شبه مقفرة؛ ويعلم الدبلوماسيون جيداً بأن لا دبلوماسية بدون دبلوماسية الكواليس؛ فهي تحل مشاكل لا يمكن أن توصف وتسمح باختصار الوقت وتمنح فرصة لكي يلتقي الدبلوماسيون ومسؤولو الدول فيما بينهم، خاصة أولئك الذين يحتاجون لمثل هاته اللقاءات البشرية لتذويب تضاريس العلاقات المتعثرة أو المتحجرة... وموازاة مع هذا كله مكن انعقاد الجمعية العامة عبر الإنترنت تسجيل رقم قياسي من حيث المشاركة، بمن فيهم قادة نادراً ما يحضرون إلى مقر المنظمة الدولية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ أو حتى البابا فرنسيس الذي تعود آخر زيارة له إلى نيويورك إلى العام 2015 .
ومع غياب التوافق بين القوى العظمى، لا يمكن تصور أي تعاون هادف أو حل للنزاعات في سوريا ولبنان وغيرها أو على صعيد جائحة كوفيد. فمن أمريكا الجنوبية إلى آسيا مروراً بأفريقيا وأوروبا، استغل قادة دول عدة فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة للتشديد على الضرورة «الملحة» لإصلاح مجلس الأمن الدولي ليعكس بطريقة أفضل حال العالم اليوم.
ثم لا يخفى على كل متخصص، بل وحتى على كل مبتدئ في مجال العلاقات الدولية، أن الأمم المتحدة غائبة اليوم في العديد من القضايا التي تشغل العالم. ودون سرد أي أمثلة، فيمكن القول إن إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين في العلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة الدولية. فهاته المنظمة الأممية أنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمس الكبرى تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص.. عند تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945 ، كانت هناك فقط 51 دولة عضوة، أما اليوم فهذا العدد يصل تقريباً إلى المائتين، بمعنى أن الأمم المتحدة هي اليوم منظمة عالمية بامتياز، وكان حري بميثاقها أن يتطور تبعاً للمستجدات التاريخية...
كانت هناك محاولات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة في عهد أمينيه السابقين يوسف بوطرس غالي وكوفي عنان ولكنها باءت بالفشل الذريع، لأن الإشكالية التي تطرح تكمن في ضرورة «التمثيلية المتوازنة» داخل الأمم المتحدة. وهاته الإشكالية كلما طرحت إلا وخرجت إلى الوجود العديد من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كل المحاولات الإصلاحية: فما معنى التمثيلية المتوازنة؟ وكيف يعقل أن تبقى الدول الخمس التي خرجت فائزة من الحرب العالمية الثانية الممثلة الشرعية للأمم؟ وماذا عن تغير مفهوم القوة؟ وعن القدرات العسكرية؟ وهل يبقى مبدأ «العضو الدائم» مقبولاً في عصرنا هذا حيث إن الديمقراطية العالمية تفرض عكس هذا التوجه تماماً إذا أردنا أن نطبقه في العلاقات بين الأمم؟
ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة. «بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن!!!