حماد الثقفي
أصبحت البرمجيات أكثر ذكاءً نتيجة لأوجه التقدم في مجال ما يُعرف بخوارزميات التعلم الآلي والبحث في البيانات والقيام بمهام، استناداً إلى أمثلة بدلاً من الاعتماد على البرمجة الصريحة التي يقوم بها الإنسان، قابعاً وراء الجدران، في حين ظل الرابط الإنساني قائماً بالصوت الصورة افتراضياً عبر أثير الشبكة العنكبوتية، وملياراتها التي ستفتح أبواباً واسعة لمناقشة مآلات الذكاء الصناعي، بقمة عالمية فريدة من نوعها، تديره الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سعياً لتلمس خطوط المستقبل، والإمساك بخيوطه، بما يتوافق واهتمامات الرؤية بدمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الوطني، حيثُ يُمثل قيمة جيوسياسية تعادل النووي في الألفية الثالثة، والعمل على إيصاله إلى قيمة سوقية تقارب 134 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وسيضيف 16 تريليون دولار إلى الناتج الإجمالي العالمي بعد عشر سنوات، الذي سيرتفع بنحو 14 في المائة بسبب الذكاء الصناعي، وفقاً لدراسة «برايس ووترهاوس كوبرز»، المتعددة الجنسيات.
إنها مسارات ومساقات لاقتصاد مُغاير، بعيداً عن اقتصاد الريع النفطي، فمن سيتحكم في الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم، وليس أدل على صحة هذا الكلام، من الثروات الطائلة المقدرة بالمليارات، واستثمار الدول الكُبرى فيه بقوة، ومحاولة الصين تحقيق الريادة فيه بحلول سنة 2030، وقد خصصت لهذا الهدف ما قيمته 150 مليار دولار، وتساعد مجموعة من الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على بناء أنظمة ذكية، وتقدم تسهيلات وقروضا ميسرة لها، وبشكل يجعل هذه البلدان أكثر اعتمادا عليها في المستقبل، وبالتالي أكثر استجابة لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
لا سيما أن الذكاء الصناعي يندمج تدريجياً يوماً تلو الآخر في مختلف جوانب الحياة اليومية للبشر، ضمن سياق الرؤية الاستشرافية التقدمية للمملكة 2030 والسير على درب مواكبة المتغيرات السريعة؛ لفهم القضية المعقدة التي تحتاج إلى توازنات كبيرة بين ما هو إنساني وإيماني وأخلاقي، وبين ما هو براغماتي ذرائعي نفعي.
فلولا تقنيات الذكاء الاصطناعي في جائحة كورونا، لما أمكن التضييق على الوباء، وأثبت أننا بزمن الحروب المعرفية التي تستعين بالأنظمة الخبيرة المرتبطة بقواعد بيانات ضخمة، تتفوق في قدرتها التحليلية وفي جودة استنتاجاتها وحلولها على الخبراء الآدميين، إذا تمكنت الآلة القيام بـ«ثورة إدراكية» يعقبها إقصاء الإنسان، وربما يتم عزل البشر، كما تنبأت أفلام السينما والخيال العلمي، ومساعدة الروبوتات صانع القرار في تحديد القرار الأنسب لموضوعه أو مشكلته.
لقد أحسنت المملكة اختيار عنوان قمتها، التي ستعقد افتراضياً، لظروف تفشي «كوفيد19» وهو الدور القيادي للمملكة في قيادة هذا التوجه العالمي، بهدف بناء حوارات ذات أهمية عالمية، ومناقشة بعض الاعتبارات الاستراتيجية الرئيسة الضرورية لتأسيس منظومة فعالة ومؤثرة للذكاء الاصطناعي، وما يعنيه ذلك من حيث الخيارات الاستراتيجية الوطنية لواضعي السياسات، إضافة لتوفير رؤى ملهمة حول متطلبات المستقبل للجهات التنظيمية والمستثمرين والشركات، من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية.
ونحن على مشارف العقد الثالث من ق21؛ تضع «سدايا» شعار قمتها في G20 نُبلاً ودليلاً على إنسانية مملكة الخير: «الذكاء الاصطناعي لخير البشرية»، لا سيما وهي قلب العالم الإسلامي، وعلى كاهليها تلقى أعباء الاستنارة الروحية لنحو ملياري مسلم حول العالم، وكأن المملكة تقود ذكاء الآلة المستخدم في أكثر من 176 دولة أو ما يساوي 85 في المائة من سكان الأرض، وعليها حمايتهم عبر قمتها العالمية.