شريفة الشملان
يوجه لنا دائماً سؤال عن المعاناة وكيف عانينا وتخطينا صعاباً لنكن كتاباً، وكأننا أتينا بما لم يؤت ونجد أحياناً من يصر على أن الكاتب يجب أن يخرج من عمق المعاناة وخاصة المعيشية، وأتذكر أحد الكتاب كتب عني ما لم يعلمه وهو أنني خرجت من معاناة حياتية صعبة جداً. وعندما حدثته أصر وكأنه يعلم عني ما لم أعلمه عن نفسي.
لا يمكن أن نصدر حكماً عاماً على كل الكتاب أن بدايتهم صعبة، فليست الظروف واحدة ولا الموقع واحد، ونعرف شعراء خرجوا من بيوت ملوك وأمراء، ولعل ولادة بنت المستكفي خير مثال، وابن زيدون (الوزير)، نعم الحب هو أجمل معاناة لكن هناك عشق يفوق العشق بين أنثى ورجل، عشق أوسع وأعمق حتى من عشق الثروة والجاه أو نيل قربى وتزلف لأمير وغني. هناك عشق الحرية والغناء لها، هناك عشق الفضاء والنبات لنري الشاعر المهجري الرائع (ميخائيل نعيمة) تردد له فيروز (تناثري تناثري) قصيدة جميلة تستحق أن تُسمع. تناشد أوراق الخريف بالتناثر، (أعطني الناي وغني) للشاعر الرقيق جبران خليل جبران تلك التي تسمو كلمات ولحن وصوت فيروز.
عشق الوطن عندما غنى الشاعر التونسي (أبو القاسم الشابي) والذي لا يزال يلهب إحساس الشارع التونسي، بيته الآن مقر للمناسبات الشعرية والأدبية، وكان لي وللكاتبة المتألقة (أميمة الخميس) فرصة إلقاء بعض قصصنا القصيرة في رحابة ذلك المنزل.
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
والقصيدة طويلة وجميلة وأغلب جيلي يعرفها وقد يرددها، وربما أجمل ما فيها:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
وهذه بالذات أستعملها كنت أحث بها أبنائي على العلم والتعلم.
الكلمة إذا تركنا (أبو القاسم الشابي) وذهبنا للأمير الفارس (أبو فراس الحمداني) نجد هذا الأمير قال الشعر حتى قبل أن يصبح أسيراً وقال عشقه بقصيدة (اراك عصي الدمع) المغناة من الكثيرين قبل أم كلثوم، لكن أم كلثوم عندما غنتها، غنتها بطريقة تلهب الجميع عشاق وليسوا بعشاق، فكانت في مقطع (نعم أنا مشتاق وعندي لوعة) تلهب غير العشاق فما بالك بمن يعشقون، والتي أصلها (بلى) ونعرف أن بلى، هي إجابة تأكيد، (أتشتاقها؟!!) أدى رياض السنباطي اللحن وأعطى القصيدة حقها وأضاف من روحه شيئاً عليها. الكلمة قصة قصيرة ورواية أو شعر هي إلهام رباني قد يكون الفقر محفزها وقد يكون الرخاء حفزها، يجعل من صاحبها متعمقاً في البحث والقراءة فتأتي الكلمات والعبارات سهلة سلسة بين يديه، وهو يطوف في بستان جميل يلتقط منه ما يشاء، ولكن لها مواقيت لا تدري متى تقع في وجدان كاتبها، وأحياناً تستعصي فلا يدري كيف يبلغها.
بالنسبة لنا ككتاب مقالات تستنزف أحياناً مشاعرنا قبل أن نضعها في قالبها الأدبي، لذا قد يقل الأدبي أو يكثر حسب ظرف المكان والزمان، وحسب دفع الواجب المقنن في الوقت والتاريخ، وفي كثير من الأحيان نضع مقالات محايدة، بمعنى خارج ما يدور ويحثنا العقل للكتابة عنه. سواء لظرف أسري أو ظرف الوسواس من أن يكون المقال مثيراً لتكهنات، خاصة في الأوقات التي يتم فيها تأويل بما يؤل وما لا يستحق التأويل.
ولنعود لأعلاه فأكرر القول: الكتابة هي هبة ربانية قد يكون كل فرد منا عنده شيء منها، لكن هناك من يستلهم كل شيء مع مجتمع مساعد من مدرسة ومدرسين وفرص نشر. هناك من لا يجد جو مساعد فيتركها جذوة صغيرة قد تتوهج وقد تضمحل.
ولكم تحية جميلة وكبيرة. وألقاكم الخميس القادم.