مها محمد الشريف
لنفس السبب، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نشر الفوضى في مكان آخر من العالم، ومواصلة سياسته القائمة على التدخل في شؤون الدول، وإثارة الفتن وإشعال الخلافات بين دولتين، وذلك بدخوله على خط الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان عبر تصريح استفزازي، على تويتر «يدعو فيه شعب أرمينيا للتمسك بمستقبله في مواجهة قيادته التي تجرّه إلى كارثة وأولئك الذين يستخدمونها كدمى، ويدعو أيضاً العالم بأسره للوقوف مع أذربيجان في معركتها ضد الغزو والوحشية»، مضيفاً أن تركيا سوف «تواصل على الدوام تضامنها مع باكو» ضد الأرمن الذين يكنون لدولته العداء.
تركيا تحاول أن تضع نفسها في كل الملفات بالمنطقة لأنها في الحقيقة لم يعد لها توجه واضح، غير تشتت يقود إلى متاعب اقتصادية وسياسية كبيرة، ودوافع الموقف التركي الذي يساند أذربيجان بأربعة آلاف سوري للقتال حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ليحسم المعركة واستعادة إقليم «ناغورني كاراباخ»من أرمينيا، لتحكم أذربيجان السيطرة على ثروات البلاد لأن المصالح مشتركة مع تركيا، والمشروع بإحضار الغاز من إيران وبيعه لأوروبا والاستغناء عن روسيا والمصالح الاقتصادية ومن خلال النفوذ التركي في هذه الدولة لمواجهة المنافس الروسي والإيراني، لكن تتبع أثر هذا الضياع على الشعوب جعل العالم يستنكر زج تركيا نفسها في شؤون غيرها لولا مطامعها.
ولعل أهمها إشعال الفتن وزعزعة استقرار الدول، وما إن اندلعت المواجهات الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا حتى سارعت تركيا لإعلان الاصطفاف إلى جانب أذربيجان حيث صرّح قائلاً «لا يمكننا ترك أذربيجان الشقيقة وحدها في مواجهة الاعتداءات الأرمينية»، وأضاف أنه لن يتردد في «الوقوف ضد أي هجوم» على أذربيجان وأن أرمينيا «في موقف صعب لا يمكنها التعامل معه» ومن أجل هذا الصراع فالرئيس التركي يعد له العدة والعتاد العسكري منذ مدة وما هي في الحقيقة سوى حرب بين الحلفاء حليف أذربيجان التركي وحليف أرمينيا الروسي.
في هذه الأثناء، لو نحينا كل الاحتمالات جانباً، وذكرنا تساؤلات، لماذا إيران تدعم أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية؟ وهل أردوغان يتحرك بموجب أوامر عليا بهذه المواجهات المعاصرة، وهو يدرك عواقب ما يفعل، فمهما يكن من أمر، فإن الموقف يعيد المواجهة بين روسيا وتركيا بعد سوريا، ولكن ما المراد على وجه التدقيق من مسألة مهمة بالدور الذي تلعبه تركيا في هذه الحرب وتقف موقف عداء مع إيران وروسيا؟
مع ذلك فالتهديد الذي لا يقل عن ذلك شؤماً هو خطر الحرب، فعلى الرغم من وساطة دولية بدأت قبل سنوات طويلة، لم يتمكن البلدان من التوصل إلى حل للنزاع حول الإقليم الذي تهدد باكو باستمرار باستعادة السيطرة عليه بالقوة، في الوقت نفسه تسعى القوى الكبرى بطرق وأساليب تهدئة بين البلدين، وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن «حكومة المملكة تتابع ببالغ القلق والاهتمام تطورات الأوضاع بين أرمينيا وأذربيجان، وتحث الطرفين على وقف إطلاق النار، وحل النزاع بالطرق السلمية وفقاً لقرارات مجلس الأمن».
بالمقابل، هنالك المعايير تفيد بأن موسكو لن تترك تركيا تحشد المرتزقة وتمسك بزمام القيادة لهذه الحرب فالقوة الطاغية والحقيقية هي التي تتبع موسكو دون جدال وذلك يكون تحسباً لحرب يخسر فيها البلدان الكثير من الأرواح والممتلكات، علماً بأن المنطقة المتنازع عليها تتميز بحساسية كبيرة، حيث تنتمي أرمينيا لتحالف سياسي عسكري تقوده موسكو، ويتمثَّل بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، في حين تحظى أذربيجان بدعم من تركيا.
لا يمكن التفكير كثيراً في خلاف الدولتين التي أفضت إلى مواجهة عسكرية، والمخاطر والموت وهم يسمعون ويعيشون حقيقة الحرب، فقد تكبدت أرمينيا سابقاً خسائر كبيرة بعد الإبادة الأرمنية من تركيا، وهذه أخطر النتائج المترتبة عليها بالتدخل التركي مع أذربيجان ضدهم مرة أخرى، ولا يترتب على ذلك إلا أن تركيا أشعلت الحرب بين الدولتين لرعاية مصالحها وترك الجميع يعيش في أفق ضبابي كثيف.