نجوى بنت ذياب المطيري
تمهيد:
في الآونة الأخيرة ازدادت نسبة الإقبال على نظام التعليم عن بعد بشكل كبير، وأصبح اختيار الكثير لما يقدمه من مميزات للمتعلمين، سواء من البلاد بشكل عام، أو الأسر بشكل خاص؛ وذلك للتطوير من عملية التعليم، والوصول بها إلى أعلى مستوى، والاستفادة من مزايا التعليم عن بُعد، والارتقاء بالمتعلم. ولا شك أن دور الأسرة في عملية التعليم عن بعد مهم جدًّا في كل حالات العملية التعليمية؛ إذ يعد دور الأسرة عاملاً أساسيًّا في استمرارية العملية التعليمية، وصولاً لتحقيق أهدافها؛ وذلك لأن الأسرة دائمًا تهتم في المقدمة بعملية تعليم الأبناء، وتعتبر مفتاح نجاح خطة التعليم نتيجة لجهود الأسرة المبذولة تجاه أبنائهم طوال فترة التعليم عن بعد، والإشراف على المسيرة التعليمية، وعلى خطة التعليم، والعمل على الالتزام بها.
ويقوم التعليم عن بعد على مرونة كل من المكان والتوقيت والمنهج الجيد المشترك بين المعلمين والمتعلمين من أجل رسم الأهداف والأنشطة التعليمية، ومع ذلك فنظام التعليم عن بعد لا يختلف عن النظام المدرسي المألوف في مضمون العلم والمعرفة أو في مضمون المهارات ومقاصد التربية، وإنما يختلف في خصائصه التي هي وليدة بُعد المتعلم عن المؤسسة التعليمية، ووليدة الحاجة إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة في مساعدة هذا المتعلم في التعلم الذاتي. (الحلفاوي، 1427هـ، ص98)
أولاً: مفهوم التعليم عن بُعد
تعرِّف الجمعية الأمريكية التعليم عن بُعد بأنه «عملية اكتساب المعارف والمهارات بمساعدة وسيط لنقل التعليم والمعلومات متضمنًا في ذلك جميع أنواع التكنولوجيا، وأشكال التعليم المختلفة للتعليم عن بُعد». (المهدي، 2008م، ص704)
كما عرّفه القانون الفرنسي بأنه «ذلك النوع من التعلم الذي لا يتطلب حضور المعلم بصفة دائمة في قاعات الدراسة، وإنما يمكنه الحضور فقط في بعض الأوقات التي تتطلبها عملية التدريس». ويركز هذا التعريف على الفصل بين المعلم والمتعلم، مع إمكانية وجود عقد لقاءات حوارية بينهما. (عامر، 2007م، أ، ص20)
ومن تعريفاته أيضًا أنه «محاولة لإيصال الخدمة التعليمية إلى الفئات التي لا تستطيع الحضور إلى المؤسسات التعليمية، والقضاء على بعض القيود التي صاحبت نشأة وتطور المؤسسات التعليمية التقليدية، سواء كانت قيودًا في السن أو الإمكانيات المادية أو المؤهلات الدراسية». (عامر، 2007م، أ، ص20)
ثانيًا: أهداف التعليم عن بُعد
يهدف التعليم عن بُعد إلى تحقيق أهداف عامة عدة، أبرزها:
- استبدال التعليم التقليدي التلقيني المعتمد على الحفظ والاستظهار بنظام التعلم الذاتي المستقل؛ إذ يكون فيه المتعلم إيجابيًّا.
- إتاحة الفرصة لكثير من فئات المجتمع للاستمرار في التعليم؛ فالتعليم عن بُعد يتصف بالمرونة والقدرة على التكيف مع ظروف الدارسين كافة؛ فهو يلائم ربات البيوت والفلاحين والعمال والموظفين والمرضى والمعاقين والمساجين، وغير ذلك من الفئات المختلفة التي لا تسمح لهم ظروفهم بمتابعة تعليمهم بالطرق التقليدية.
- يساعد نظام التعليم عن بُعد على تنمية المجتمع ثقافيًّا؛ لأن التعليم لا يقتصر على الدارسين فقط؛ فالكل يحتاج إلى التعليم، وباستخدام التعليم عن بُعد لوسائط الاتصال المختلفة من مواد مطبوعة وأخرى مسموعة ومرئية، واستخدام الإذاعة المرئية والإذاعة المسموعة وشبكات الإنترنت والأقمار الاصطناعية، وبث البرامج التعليمية والتدريبية من خلالها، يجعل الفائدة لا تقتصر على الدارسين فقط بل تعم جميع المواطنين.
- من أهم أهداف نظام التعليم عن بُعد مواكبة التطورات المعرفية والتقنية المستمرة في مختلف المجالات على مر الزمان.
- يسهم إسهامًا عظيمًا في نشر المعرفة؛ وهو ما يساعد على محو الأمية وتعليم الكبار.
- يسهم في فتح تخصصات ومجالات جديدة لم تُتَح للدارسين في التعليم التقليدي.
- يخفف الضغط الواقع على التعليم التقليدي بصفة عامة، والجامعات التقليدية بصفة خاصة؛ وذلك لإمكاناتها المحدودة بسبب تزايد الطلب على التعليم.
- يقدّم برامج تدريبية وتطويرية في مجالات متنوعة، يحتاج إليها كثير من أبناء المجتمع.
- يساعد التعليم عن بُعد الأفراد الذين ما زال لديهم طموح في تنمية أنفسهم، وتحسين مستوياتهم في الجوانب التعليمية والاقتصادية أو الاجتماعية أو المهنية. (عبد الحي، 2005م، ص191؛ الكسجي، 2012م،73).
ثالثًا: خصائص التعليم عن بُعد
- الفصل بين المعلم والمتعلم: يقوم التعليم عن بُعد على أساس الفصل بين المعلم والمتعلم في المكان أو الزمان أو كليهما؛ وهو ما يؤدي إلى تحرر الدارسين من قيود المكان والزمان ومشقة السفر إلى المعلم لاكتساب المعلومات، بل يستطيع اكتسابها وهو في مكان إقامته، وفي أي وقت يتلاءم معه، وأيضًا الحصول على الدرجات العلمية بدون إرهاق، ومن خلال منازلهم.
- أهمية المؤسسة التعليمية أو الجامعة في عملية تخطيط وإعداد المادة العلمية. إن المؤسسة التعليمية هي التي تتولى إعداد البرامج والمادة التعليمية، وليس الأستاذ، وكذلك هي التي تقوم بالتخطيط، وتزويد الطالب بالخدمات التعليمية؛ وذلك لتحقيق تدريب ذاتي بواسطة بنية تحتية كبيرة من الخدمات.
- استخدام الوسائط الفنية والتكنولوجية المتطورة: يعتمد التعليم عن بُعد أساسًا على الأدوات الإلكترونية في عملية التعليم والتدريب كالكلمة المطبوعة أو المسجلة على شريط كاسيت، أو المسجلة على شريط فيديو، أو قد يكون الاتصال عن طريق وسائل الاتصال الحديثة مثل الإذاعة والتلفزيون، أو استخدام الإنترنت في الكشف عن المعلومات». (قنديل، 2010م، ص128-129).
رابعًا: دور الأسرة
في عملية التعليم عن بُعد
يعدُّ دور الأسرة في كل أنظمة التعليم مهمًّا وضروريًّا لمتابعة مدى تقدُّم مستوى الطالب، والإشراف على تحصيله الدراسي، والأنشطة التي يقوم بها، والمهارات التي يكتسبها؛ وهو ما يزيد من حاجة الوالدين لتنمية المهارات الأبوية. ورغم هذا فإن دور الأسرة في نظام التعليم عن بُعد يختلف عن نظام التعليم التقليدي في نقاط أساسية عدة، منها ما يأتي:
- في نظام التعليم عن بُعد تكون الأسرة هي المحك الرئيسي في بدء واستمرار عملية التعلم عن بُعد؛ إذ تقوم الأسرة بتشجيع الأبناء المتعلمين عن بُعد على الدراسة، والالتزام بها، والإشراف على مهامهم وأداء واجباتهم.
- يشتمل دور الأسرة في التعلم الذاتي على متابعة الأداء الدراسي للأبناء المتعلمين. أما إذا كان أحد الأبناء في إحدى المراحل الأولى من التعليم فيشتمل دور الأسرة على أن يتابعه أحد أفرادها عن قرب، ويتابع مستوى ومدى تحصيله.
- كما أن الأسرة تعمل على توفير بيئة خصبة للتعلم لمساعدة الأبناء المتعلمين عن بُعد على تنمية مهاراتهم الذاتية والحياتية، ويتم ذلك من خلال تجهيز وإعداد البيئة؛ لتكون مناسبة للتعلم، وتوفير الأنشطة والمصادر العلمية التي تسهم في تنمية المهارات الإبداعية.
خلال عملية التعليم عن بُعد تتعدد مهام الأسرة، ويكون لها دور تربوي، ودور تعليمي، وهما كالآتي:
* دور الأسرة التربوي في التعلم عن بعد:
- تهيئة الأجواء التي تتناسب مع المناخ الدراسي، واختيار مكان به إضاءة وتهوية جيدة؛ ليكون خاصًّا بالتعليم والدروس التعليمية فقط.
- تشجيع الأبناء على الالتزام بمواعيد الدراسة وأداء الواجبات، وتحفيزهم على الاستمرار.
- مساعدة الأبناء في التدريب على التعلم الذاتي.
- توفير الراحة للأبناء، وجو مناسب للدراسة بعيد عن أجواء التوتر والقلق.
* دور الأسرة التعليمي في التعلم عن بُعد:
يتمحور دور الأسرة التعليمي حول مشاركة الأسرة في عملية التعلم عن بُعد، والعمل على تطويرها. ومن مهام الأسرة التعليمية ما يأتي:
- أن تعمل الأسرة على اكتشاف الهوايات والمهارات الخاصة بالأبناء.
- أن تتابع الأسرة مستوى المهارات التي يكتسبها الأبناء وتنميتها.
- أن تقوم الأسرة بوضع خطة تعليمية تتناسب مع مستوى الطالب، وأن يتخلل جدوله الدراسي بعض الترفيه لتشجيعه على التعلم والاستمرار.
- أن يبحث كلا الوالدان عن الأنشطة والتدريبات التي تتعلق بدراسة الطالب، وتطبيق ما يدرسه بشكل سلس وجذاب.
- أن تقوم الأسرة بمكافأة الأبناء في حالة التفوق وأداء الواجبات كما يجب.
الخاتمة:
وأختم ورقتي العلمية هذه بما ختم به الدكتور مصطفى رجب (2010م، ص263) كتابة بقوله: «إننا مقبلون على عصر جديد من المعلوماتية في هذا القرن الجديد، ولا شك أن أبناء هذا العصر من فلذات الأكباد مختلفون تمامًا عنا؛ وهو ما يحتم علينا جميعًا أن نخطط لهم من الآن، إن لم نكن قد تأخرنا قليلاً عن موكب الحضارة وثقافة المعرفة. ولا شك أيضًا أننا قد شعرنا بالعالم من حولنا مع اختلاف ثقافاته وهو يسرع بخطوات حثيثة نحو عالم تقنية المعلومات بشكل كبير. ولا شك أيضًا أن علينا من الآن ترتيب الأوراق في بناء جيل المستقبل في عصر المعلومات في العالم العربي بوضع استراتيجيات تفعّل من التعليم والتدريب والتعلم عن بُعد إلكترونيًّا».
المراجع:
- الحلفاوي، وليد سالم. (2006م). مستحدثات تكنولوجيا المعلومات. عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع.
- رجب، مصطفى محمد. (2010م). التعليم عن بعد.. فلسفته وأنماطه ومستقبله. عمّان، الأردن: مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع.
- عبد الحي، رمزي أحمد. (2005م). التعليم العالي الإلكتروني. جمهورية مصر العربية، الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
- قنديل، علاء محمد. (2010م). التعليم عن بعد ودوره في تدريب القيادة التعليمية. القاهرة: مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع.
- الكسجي، فلسطين محمد. (2012م). الجودة في التعلم عن بعد. الأردن، عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
- المهدي، سوزان محمد. (26- 27 يناير، 2008م). التعليم عن بعد ودوره المأمول في المؤسسات التعليمية، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العلمي السنوي السادس عشر للجمعية المصرية للتربية المقارنة والمؤتمر السنوي الأول لكلية التربية ببور سعيد. القاهرة: دار الفكر العربي. - عامر، طارق عبد الرؤوف. (2007م). أ. التعليم الجامعي المفتوح. القاهرة: المؤسسة العربية للعلوم والثقافة.