رمضان جريدي العنزي
نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - حوى محاسن الإنسانية كلها، أخذ بها قولاً وعملاً، رائد الحضارة الإنسانية هو، دعا إلى الإسلام، ونشره بخُلقه وإنسانيته ورحمته حتى أصبح من أعظم الديانات قاطبة. كان في كل جوانب حياته المثل الأعلى، والنموذج الفريد، بل تجسدت فيه كل معاني الإنسانية بكل تنوعاتها المختلفة. كان إنسانًا رقيقًا مرهف الإحساس، مارس الرقة المرهفة على مدار حياته بشكل أصيل، بعيدًا عن الافتعال والصلف والتكلف. لما انتصر على قريش - وهم الذين آذوه، وشنَّعوا عليه، وضيَّقوا عليه - قال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهو القادر على سحقهم، وإبادتهم، ورميهم، وتشريدهم في المجاهل البعيدة، لكنها الإنسانية العظيمة التي سكنت روحه، وأقامت بها، وأبت عليه إلا فعل ذلك. كان رقيقًا ودودًا متواضعًا مع أصحابه، يجمع لهم الحطب ليستوقدوا نارًا، يستدفئون بها، ويعدون عليها الطعام. كان يحلب الشاة بنفسه، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله، وينام على الحصير، وهو القادر - بأبي هو وأمي - على أن ينام على فُرش الديباج والحرير وسرائر الذهب، ويشرب بكؤوس من فضة، ويأكل بآنية من ذهب. كان لا يظلم أحدًا، وهو في أعلى درجات قوته، يقف بين الناس خطيبًا فيقول: «من كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد منه». وكان - صلى الله عليه وسلم - كأنه النهر يفيض رقة وعذوبة وعطاء، وتتفجر منه العواطف النبيلة، والمشاعر الجياشة. كان يحب أصحابه، ويخدمهم. يقول أنس بن مالك: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسقي أصحابه، فقالوا: يا رسول الله: لو شربت؟ قال: (ساقي القوم آخرهم شربًا)». يا عظمة التواضع والجلال والثقة. كان لا يحب أن يعظمه أحد، أو أن ينزله منزلة كسرى وقيصر. كان يسأل عن أحوال الناس، ويتفقدهم، يزور مريضهم، ويشيع جنائزهم. كان يرق لحال الناس، ويحزن عليهم قلبه، وتدمع عليهم عينه. كان عادلاً منصفًا قويمًا مع الناس، يخفض لهم جناح الرحمة، ويتفهم طبيعة أحوالهم، ويعي أمورهم، حتى الحيوان كان - صلى الله عليه وسلم - يعتبره كيانًا معتبرًا ذا روح، يحس بالجوع، ويشعر بالعطش، ويتألم بالمرض والتعب، ويدركه ما يدرك الإنسان من أعراض الجسد. فعن سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه - قال: «مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)». إنها العظمة الإنسانية المتجلية بشخصه الكيم. كان - صلى الله عليه وسلم - صاحب خُلق عظيم؛ لهذا يحث الناس على مكارم الأخلاق؛ لأن الأخلاق هي جوهر الإسلام، وهي السلوك القويم، والعمل النبيل؛ فدين المرء أخلاقه. لم يكن - بأبي هو وأمي - عبوسًا، ولا مكشرًا، وإنما كان بسامًا بشًّا، حتى في حروبه مع العدو لم يكن عدوانيًّا فظًّا غليظ القلب، بل كان رحيمًا ودودًا، صاحب صفح وعفو. كان - بأبي هو وأمي - يحمل رسالة عظيمة في الحرية والمحبة والإخاء والمساواة والتكافل الاجتماعي، نابذًا كل مساوئ العنصرية البغيضة والتفرقة المقيتة، ويرفض الظلم والهضم والقوة العمياء. إن شخصيته الكريمة - صلى الله عليه وسلم - ثرية جدًّا، تغري بالتأمل والتدبر؛ فهو إنسان فذ بالمعايير كافة، جسّد معاني الإنسانية بكل صورها وأشكالها وألوانها المختلفة والمتنوعة؛ فلا نهر ولا ضرب ولا شتم ولا استبد ولا فرّق ولا تعنصر، لا دعا لعصبية، ولا نصر عصبية، ولا مال مع قومية.. إنه أعظم إنسان عرفته البشرية في تاريخها السابق واللاحق، أرسله الله رحمة بالإنسان، ورحمة بالحيوان، ورحمة بالجن. كان عظيمًا جدًّا، بنى أمة عظيمة، ودينًا قويمًا ثابتًا، قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.