محمد ناصر الأسمري
بعد نشر مقالي عن التأمين محل دية العاقلة في المجتمع المدني، وهل للنساء عاقلة، تلقيت عدداً من التعقيبات على المقال، بين مؤيد ومتحفظ وشارح بين قبول النساء ضمن القبيلة، فيما عرف بصندوق الدم الذي تقوم فيه قبائل بحسم مبالغ مالية كاشتراك سنوي؛ تحسباً لما قد يقع من أحد أفراد القبيلة من حوادث يموت فيها شخص/ أشخاص، وحيث إنني قد أشرت إلى أن المجتمع المدني قد بات حالاً محل العاقلة التي تلزم عاقلة الشخص بدفع الدية بفعل تفرق أبناء القبيلة في أرجاء الوطن، وبات الارتباط مدنياً، وصار التأمين إلزامياً لكل من يمتلك مركبة دون استثناء، وصار التنظيم لشركات التأمين مناطاً بمؤسسة النقد (المصرف المركزي)، وهنا فلم يعد للتنظيمات القبلية أي مبرر في تكوين صناديق للتأمين، ولا بد من مراقبة ورقابة على جمع وتكديس الأموال دون عائد عليها، وقد لفت نظري ما أرسله الصديق البروفيسور سامي الوكيل الأستاذ الجامعي في جامعة الملك سعود، حيث أرسل لي نقلاً عن أحد المصادر تعليقه التالي: اختلف الفقهاء في تعيين العاقلة، ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب.
المذهب الأول: وهو مذهب الحنفية، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والزهري والحسن بن حيي: إن دية العاقلة هم أهل ديوانه، وهم الذين يشتركون معه في سجل واحد للجهاد، إن كان مجاهداً، أو أهل حرفته إن كان صاحب حرفة، أو أهل صنعته إن كان صانعاً، أو أهل قريته إن كان مقيماً بها، وكل من يستنصر بهم فإن لم يكن له عاقلة من قرابته كاللقيط، والحربي المستأمن أو الذمي الذي أسلم فعاقلته من بيت مال المسلمين، ونقل الإمام القرطبي في تفسيره اتفاق الفقهاء على رواية أن سيدنا عمر بن الخطاب قد جعل عاقلة القاتل أهل ديوانه، بعد أن كانت عاقلته قرابته في الجاهلية، ثم إقرار الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم على ذلك، وكذا في زمن أبي بكر.
وعقب الصديق العقيد المتقاعد عبدالله بن الطاير الأسمري فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبو مازن، شكراً لك على تطرقك لموضوع هل تعتبر النساء اللاتي صرن يصولن ويجولن في شوارعنا بسياراتهن ضمن العاقلة في هذا الوقت، ومن وجهة نظري نعم، ولكن المشكلة تكمن في أن النساء يخرجن من عائلة إلى عائلة من قبيلة إلى قبيلة، والموضوع إن شاء الله أن الجهات تعمل له دراسة مستفيضة، والله يا أبو مازن صار الموضوع من جد مقلقاً، فيه ناس الآن اشتروا سيارات لنسائهم وأمنوا تأميناً شاملاً، ما فيه حل في الوقت الحاضر إلا هكذا، أشكرك ثم أشكرك على ما قدمته وتقدمه دائماً مفيداً للمجتمع كافة وكعادتك يا كاتبنا المتميّز أبا مازن، فقد أشبعت الموضوع بحثاً، وأوضحت الشيء الكثير من ملابساته التي قد يجهل فهمها الكثير، فبارك الله لك في فكرك وفي قلمك الذي نذرت به خدمة لناسك وربعك بالإيضاح والشرح لكل غامض وضبابي، فالتأمين التجاري الذي أشرت إليه بالتحريم من قبل السلطة التشريعية لا نستطيع الخوض فيه لجهلنا بخلفياته التي بُني عليها تحريمه شرعاً، فنحن مسلمون متقيّدون بما تمليه علينا شريعتنا الغرّاء، ولا شك أن في ذلك صلاح أمرنا بحول الله وقوته، وهذا ما ذهب إليه رأي الكاتب في إيضاحه، والله نسأل أن يجعل لنا في ذلك خيراً مما نرجوه منه، أما التأمين التعاوني الذي أقرّته السلطة التشريعية وله منافع في رأب الصدع وإغاثة محتاج أوقعته ظروف الحياة اليومية إلى حاجته فهذا يمكن أن يستفاد منه دونما السعي لجني فوائد مرجوّة من ورائه، مثل ما هو جارٍ حالياً مع شركات التأمين على المركبات وغيرها من المنافع المماثلة لها، فإن جواز التأمين عليها فيه تسهيل لمشروعية الاستفادة منها، ولأن العبرة بالتأمين يعود بالنفع على مدى الاستفادة منه، وبالتالي فإن مشروعية إقراره على المرأة تحتّمه الضرورة مثلها مثل الرجل لأن المنفعة واحدة هنا أو هناك والعبرة بالغاية، وإن اختلفت الوسيلة -رجلاً أو امرأة-، وأعتقد أن ليس في ذلك ما يشوبه إن شاء الله، إلاّ أن كل تنظيم يشرّعه الإنسان لنفسه لا بد أن يكون فيه بعض جوانب النقص، فقد مررت بتجربة التعويض من ضرر ألحقته بمركبة أخرى، ودفعت الشركة التي كُنت مؤمّناً عن طريقها ثمن تلك الأضرار بناءً على وثيقة التأمين الخاصة بي -وكما هو معروف أن وثيقة التأمين مدتها عام كامل، المدفوعة الثمن سلفاً- ولكن للأسف إن دفع ثمن ذلك الضرر اذي سبّبته للغير أصبح عليه كسابقة جنائية، وكأن ثمن الوثيقة الذي دفعته سلفاً غير نظامي أو ليس له أثر رجعي بالاستفادة منه، إذ كلما طلبت التأمين على مركبتي لعام جديد -سواء لدى شركة التأمين السابقة ولدى شركة تأمين أخرى إلاّ وإذا بحادثة دفع ذلك الضرر حاضرة أمامي كسابقة عليّ ويجب أن أدفع بسببها ثمناً لوثيقة التأمين الجديدة أكثر من غيري، فكأنها سابقة جنائية أتحمّل وزرها، وهذا والله من وجهة نظري المتواضعة ظُلم وجور لا أستحق دفع خلفياته، وإنْ كُنتُ مخطئاً فقد دفعت ثمنه سلفاً بصرف النظر عما سوف يحدث، وأعتقد أن ذلك سارٍ على جميع من حدث له مثل ما حدث لي، فما ذنب الفرد المؤمّن نتيجة خطأ تشريعي بشري لم يراعِ الحقوق الكاملة لمن امتثل لتأمين مركبته، وأصبح تأمينها ملزماً وإجبارياً من الجهة المشرعة لنظام سير المركبات وشئونها، وعلى نفس النسق تطرّق كاتبنا العزيز لنظام الجمعيات القبيلة والأُسرية التي تساعد في تخفيف أعباء ما يحدث من أفراد القبيلة من حوادث دهس ينتج عنها وفيات، فتلك الجمعيات تسهم بدفع الديات كل قبيلة حسبما وضعته من تنظيم مسبق لجمعيّتها، فمثلاً قبل أكثر من 40 سنة أسّسنا لنا جمعية تعاونية أشبه بشركات التأمين على المركبات الحالية، وسننّا لها نظاماً لمساعدة من يتحمّل دفع دية بالمساهمة في دفع 75 في المائة من الدية سواء كانت مقابل دهس شخص واحد أو أكثر، ويبقى 25 في المائة على الجاني دفعها حتى يشعر بجسامة أثر ما اقترف من فعل غير مشروع، وعليه أن يتحمّل وِزر ما فعل، وقد يتحمّل هو وأسرته والأقربون له تكاليف الـ25 في المائة، وفيما أعتقد أن ذلك جانب إيجابي لمناقب القبيلة ومن خصائص الفضيلة فيها في وقت كان أفراد القبيلة بحاجة ماسة لهذا التنظيم، ولكن مع توفّر شركات التأمين على المركبات الذي أصبح ملزماً للكل، أصبح على القبيلة أن تمحور مثل تلك الجمعيات إلى جوانب خير أخرى، بما يعود بالنفع على القبيلة، وإخضاع نظامها لمزيد من التمحيص والشمولية في منافعها، وعلى كل حال لا يسعني إلاّ أن أشكر كاتبنا العزيز أبا مازن أن نوّر لنا البصر والبصيرة في موضوع التأمين وخلفياته الذي أعتبره خدمة مجتمعية أوجدتها ظروف الحياة، وأصبح لا غنى عنها، فلكم كل الشكر والتقدير أبا مازن، رعاكم الله، لكن المستشار الأمني العميد المتقاعد سعيد بن أحمد الأسمري، أفاد بأن أهل قريته أقروا بوجود نساء القرية ضمن العاقلة، لكن بشرط ألتتزوج من خارج القبيلة، وتعود إن تطلقت، لكن الصديق ابن الهيال الأحمري أفاد بأن أهل قريته رفضوا رفضاً قاطعاً إن تكن النساء ضمن العاقلة، بل وحتى نقاش الموضوع، وكذا أفاد الصديق على بن دليه الأسمري.
أما الصديق ابن القنفذة الأستاذ عبده القوزي فكتب: مقال الأستاذ محمد الأسمري.. التأمين محل دية العاقلة، فلاشك أن التأمين أصبح ضرورة في ظل عدم وجود تنظيم لصندوق القبيلة، ولأن التماسك القبلي بفعل سنة التطور الحضاري الذي تعيشه بلادنا أصبح هشاً، ولكن الوعي بأهمية التأمين لدى فئة من مالكي المركبات ينقص فئة من المواطنين إما تهاوناً على ما اعتدنا عليه، أو قلة وعي بأهميته، وتبقى فئة أخرى هي ملاك الإبل، خصوصاً من البسطاء يجدون أنفسهم مطالبين بدية أو ديات لا يستطيعون سدادها، وتقاعس داخل القبيلة عن المساهمة في عون صاحبها، باعتبار أنها ليست مما اتفق عليه، فهل نجد حلاً لدى ساهر؟ وهنالك تعقيبات من نساء مثقفات وكاتبات فيها ضيق من التضييق على النساء، لكن -الحمد لله- بات التأمين إلزامياً لا يفرق بين رجال ونساء، فالأمر شورى والحقوق قضاء.