خالد بن حمد المالك
الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت -رحمه الله-، عمل وزيراً للإعلام في بلاده، ووزيراً للخارجية، ورئيساً لمجلس الوزراء، ضمن قائمة طويلة من المواقع والمسؤوليات التي كان فيها الفقيد حاضراً بامتياز منذ بواكير شبابه، وإلى أن أصبح أميراً للدولة، وحتى وافاه الأجل وأُعلن عن وفاته أمس، وفي رحلته الطويلة مع المسؤوليات في بلاده، أظهر أمير الإنسانية تميزاً في مواقفه الدبلوماسية، داخلياً وخارجياً، وجنَّب الكويت بحكمته وبعد نظره الكثير من المشكلات المحدقة والمتربصة بفضل سياساته وتعامله بتوازن وحكمة وهدوء مع كل القضايا الشائكة التي حاول صنَّاعها أن يجرُّوا الكويت إلى ما يغرقها في المشكلات، وصولاً إلى تحقيق أهداف المتربصين بها.
* *
ومنذ استقلال دولة الكويت، ورغم أطماع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بضمِّها واحتلالها كجزء من العراق، طمعاً في ثروتها النفطية، وموقعها المهم على الخليج العربي، وهي تقف ثابتة بفضل صلابة موقف الشيخ صباح ومن سبقه من أمراء دولة الكويت أمام هذه الأطماع، متمسِّكة بحقها كدولة مستقلة، وعضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، دون أن تهتز مواقفها رغم محدودية قدراتها العسكرية، وتباين وجهات النظر محلياً وخارجياً في أسلوب تعامل المواطنين وغير المواطنين مع المستجدات التي كان قدر الكويت أن يكون كثيراً منها لا يتجه نحو صوب مصلحة الكويت وشعبها الشقيق.
* *
وفاة الشيخ صباح الأحد الصباح -رحمه الله- وغيابه عن الساحة الخليجية والعربية تُعدُّ خسارة للكويت ولدولنا في مجلس التعاون لدول الخليج تحديداً، فقد كان في حياديته، ومواقفه مع جميع الدول الخليجية الشقيقة على مسافة واحدة، كانت تمنحه وتعطيه القدرة ليلعب دوراً تصالحياً ووسيطاً في إطفاء أي خلاف، والسعي لإخماد أي نزاعات سياسية، حتى وإن لم يحالف مساعيه النجاح أحياناً، فقد كان لا يملّ ولا يتراخى ولا يتردد في القيام بدور كان مقدراً ومثمناً له من إخوانه قادة دول مجلس التعاون كلما كانت هناك حاجة إلى تدخل منه.
* *
على أن وفاة الأمير صباح لم تكن مفاجأة، إذ إنه ظل على مدى سنوات يعاني من أعراض صحية، جعلته في مراجعات دائمة وإقامات طويلة في مستشفيات الداخل والخارج، وكان آخرها في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى أيامه الأخيرة وأُعلن عن وفاته هناك، دون أن يتمكن الأطباء هذه المرة من إبقائه على قيد الحياة، خصوصاً أنه جمع بين التقدم بالعمر وبين أنواع من الأمراض التي استعصى على الأطباء الوصول إلى علاج ناجح لها، وهكذا كانت إرادة الله.
* *
ما يهمنا، وقد تُوفي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، أن تبقى الكويت كما كانت في دائرة الضوء، في تسامحها وحسن تعاملها، ودورها الذي رسمه لها الشيخ صباح الأحمد الصباح، امتداداً لمن سبقه من أمراء سابقين، فالكويت مع صغر حجمها ومحدودية عدد سكانها، فهي كبيرة بقادتها وشعبها وتاريخها في الدفاع عن الحقوق الكويتية والعربية، وفي مناصرة المظلومين، ودعم المحتاجين.
* *
أجل، فالكويت وهي الدولة الثابتة في مواقفها، الحريصة على لَمِّ شمل العرب، وتحديداً الخليجيين منهم، وحيث يقف الشعب الكويتي في صف واحد مع قيادته، ها هي تواصل أدوارها الناجحة بقيادة أميرها الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وهنا يمكن القول إن الكويت في يد أمينة، وإن العهد الجديد سيكون امتداداً للعهود السابقة في خدمة الكويت وأهلنا هناك، وأن البلاد باقية بقوتها وثباتها، سواء بأمير غاب بعد أن أدى الأمانة، أو أمير حضر بخبرته وتجربته واستعداده لخدمة بلاده وشعبه وأمته الخليجية والعربية. فرحم الله الشيخ صباح الأحمد الصباح، وأهلاً بأمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، يقود بلاده بما يعزز مكانة الكويت، وشعبها الشقيق.