محمد سليمان العنقري
جائحة كورونا فرضت التعامل معها بطريقة استثنائية لإدارة الأعمال بحيث طغى العمل والتعليم عن بعد على المشهد لنشاط غالبية المجتمعات عالمياً، وباتت عبارة مابعد كورونا ليس كما قبلها على كل لسان ولكن بالمقابل هناك من ينظر أن اعتبار ماحدث من استثناء لإدارة الأعمال لن يدوم في أغلبه وسيعود الوضع طبيعياً ليكون العمل والتعليم حضورياً على اعتبار أن الناس تحت ضغط الجائحة التي لم تنته بل دخلت مرحلة ثانية أشد انتشاراً في شرق آسيا والقارة الأوروبية وبعض دول الشرق الأوسط فهل سينتهي هذا الاستثناء بإدارة الأعمال بمجرد اختراع علاج للوباء؟
بدايةً أصبح مألوفاً أن تسمع عن لقاءات ومؤتمرات واجتماعات تعقد افتراضياً أي عن بعد حتى على مستوى مسؤولين كبار في دول العالم، لكن افتراض أن يستمر الكثير من الأعمال عن بعد هو نقطة التحول الكبرى بتاريخ البشرية في القرن الحالي ويبدو أن قطاع الأعمال أصبح يهيئ نفسه لهذا التحول الكبير وبدأت شركات التقنية بعرض خدماتها في مجال توفير المنصات التي تخدم إدارة الأعمال بشكل عام وكذلك التعليم عن بعد فقد بدأت بعض الشركات في كثير من الدول بتعاقدات مع آلاف من الأطباء لتكون «عياداتهم الافتراضية» على منصتها ويمكن لأي شخص بالعالم أن يتواصل مع طبيب في دولة ما دون الحاجة للسفر للعلاج مبكراً أي يمكن أن يقوم بالعديد من الإجراءات كالفحص المخبري وغيره ويرسل النتائج للطبيب ويقوم بالتواصل معه باتصال مرئي وكأنه يزوره بعيادته بل حتى بعض المستشفيات بدأت بهذه الخطوة محلياً وعالمياً وينتظر أن يكون هناك توسع بهذا المجال على حسب التخصصات لأنه سيبقى هناك حالات تستوجب زيارة العيادة بخلاف طبعا إجراء العمليات والتي أيضا ستدخل مرحلة واسعة بإجرائها عن بعد من خلال استخدام تقنيات الجيل الخامس ومابعده بالاتصال أي سيكون الجراح بدولة ما ويمكن له من خلال الاتصال بالأجهزة التي يمكن استخدامها عن بعد أي الروبوت أن يتم إجراء العملية للمريض بمستشفى طبعاً في دولة أو مدينة أخرى وفي مجال التعليم ستمكن تقنيات المنصات التي تتطور خدماتها بوتيرة سريعة من أن تستفيد منها الجامعات بتعاقدات مع أساتذة يقدمون محاضراتهم عن بعد في دولة أخرى دون الحاجة لحضورهم وانتقالهم للعيش بدولة الجامعة التي يتعاقدون معها في تخصصات عديدة وهذا سيتيح فرص واسعة لأعضاء هيئات التدريس عالمياً لزيادة دخلهم وأيضا يسمح بما يمكن تسميته استقطاب هذه الخبرات عن بعد إذ أن بعضهم يرفض مغادرة بلده ويكون ذا مستوى علمي رفيع وتطمح الكثير من الجامعات لاستقطابه فمن خلال التعليم عن بعد سيكون التعاقد معه متاحاً دون عقبات وينطبق الحال على ما بدأت تدرسه الكثير من الدول وقطاع الأعمال فيها باستخدام تقنيات التعامل عن بعد لتوفير الكثير من نفقاتها مستقبلاً بعد أن يتم تطوير هذه التقنيات والمنصات بما يكفل أفضل النتائج دون تأثير على كفاءة المخرجات.
القيام بالأعمال عن بعد لم يعد خيالاً وإن كان مازال في طور الاستثناء إلا أن التوجهات لتكون جزءًا أصيلاً من حياتنا أصبح هو حديث الساعة ومن الضروري التعاطي معه على أنه واقع قادم لامحالة ولابد من امتلاك التقنيات الخاصة به وأيضا التركيز على دعم كل ما يساهم بانتشاره وإقامة المراكز والإنفاق على الأبحاث الخاصة به حتى نكون جاهزين لأهم تحول حدث في هذا القرن الذي تتسارع به الأحداث وتتحقق فيه الأفكار التي كانت تبدو خيالية بوقت قصير.