عبدالوهاب الفايز
في مقال سابق في هذا المكان (الأربعاء 2 سبتمبر 2020)، تطور شجون الحديث إلى الاحتفاء بأهمية إصدار وتبني الكتب التي تؤرخ لسيرة الرجال الذين تركوا بصماتهم على تاريخ بلادنا، واليوم الوطني الذي احتفينا به الأسبوع الماضي يعطينا الفرصة لتجديد الدعوة إلى تواصل جهود الباحثين والمؤرخين، لتدوين التاريخ الواسع لبلادنا.
هناك مشاريع بدأت وتستحق الدعم والتطوير مثل الجهد الذي بذله الأستاذ سليمان الحديثي، في كتابه عن (الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل)، هذا المشروع نتمنى أن يتواصل لتدوين جهود ومسيرة الرجال الذين قادوا العمل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وكان لهم الدور الإيجابي في تكون الدولة وتبلور مشروعها إلى جانب الملك المؤسس عبدالعزيز، يرحمه الله.
كما ذكرنا، هناك كثيرون بذلوا جهدهم وفكرهم لمساندة الملك عبدالعزيز، ولن أذكر أسماء محددة لأن العدد كبير وحتى لا نقع في إشكالية الاختيار والأولويات. ما قاموا به جميعاً هو تاريخ مشرف لبلادنا وجدير بالتقصي والتدوين.. حتى تعرف الأجيال المعاصرة والقادمة حجم الجهد والتضحيات التي بذلها هؤلاء الأجداد في مشوار بناء الوحدة.
تدوين سيرة هؤلاء الرجال الكبار يحتاج (آلية العمل المؤسسي) المحترف الذي تتولاه جهة اعتبارية قائمة مثل دارة الملك عبدالعزيز، أو مكتبة الملك عبدالعزيز، أو عبر الكراسي العلمية في أقسام التاريخ والآداب في الجامعات السعودية.
تدوين سيرة الرجال بصورة علمية سوف يقدم لنا (حالات دراسية) نستفيد منها لتعميق الفهم للتاريخ الحديث لبلادنا. هذه سوف تشكل (جسرا معرفيا) تنتقل عبره التجارب بين الأجيال، بالذات الجانب الذي يخص (جهد وحكمة رجال الدولة)، وكيفية تعاملهم مع أمور الإدارة والحكم الحيوية، وكيف عملوا بجد وإخلاص في الظروف الصعبة، وكيف بادروا بإيجابية لتغيير هذه الظروف، وتحويل التحديات الصعبة إلى فرص للبناء والاستقرار رغم شح الموارد المالية.
تاريخ هؤلاء هو الرصيد الحقيقي الذي يجب أن نستثمره لنقول للأجيال المعاصرة والقادمة أن مستقبل بلادنا يقوم على إصراركم وحرصكم على أن تبنوا فوق ما بنوا، وتضيفوا أكثر مما أضافوا. وهذا مبدأ الملك عبدالعزيز، والمؤرخ أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب)، ذكر أنه لاحظ عند دخوله قصر الملك عبدالعزيز وجود تعديل في بيتين من الشعر:
لسنا وإن كرمت أوائلنا
يوما على الأنساب نتكلُ
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا
والمؤرخ الريحاني عندما ذكر للملك عبدالعزيز بأن صحة النصف الأخير هو (تبني ونفعل مثلما فعلوا)، أخبره الملك المؤسس بأنه هو من طلب تعديله، لأن هدفه ليس فعل السابقين فقط ولكن أفضل منهم. هذا هو تاريخ الملك عبدالعزيز الذي كان همه المستقبل البعيد لبلاده، وكان شغله وهمه البنيان والعمران، وهذا ما يجب أن نربي عليه شبابنا عبر مناهج التعليم والمشاريع الوطنية الموازية.
هذا الاهتمام يكون في صالح بلادنا عندما ننتج المشروعات التي تجعله طاقة دافعة للمستقبل، ولا يتحقق بالأمنيات فقط. هذا يُعيدنا إلى ما ذكرناه في بداية الحديث وهو ضرورة تبني مشروع وطني لكتابة تاريخ وسيرة الرجال الذين وضعوا جهدهم وبصماتهم على مشروع الدولة، وهذا ضروري.. تكريمًا ووفاءً لهم، وحتى يتواصل تعلم الأجيال الحلم والحكمة، والسمو للمصالح العليا لبلادهم.