رمضان جريدي العنزي
أنا أمقت الهجاء بكل صوره وأشكاله وألوانه، لا أستسيغه ولا أحبه ولا أميل إليه، ولا أستأنس به، لا وزناً ولا قافيةً ولا إيقاعاً ولا جرساً موسيقياً، لكون أشعار الهجاء ليست كلها صادقة، وبعض أصحابها عقارب لاسعة، وثعابين لادغة، وثعالب ماكرة، غير نزيهين البتة، ولا يرقون للذائقة السوية، يستغلون موهبتهم الشعرية لإيذاء الآخرين والسخرية منهم والكذب والتلفيق عليهم، والقول فيما ليس فيهم، ظهروا بشكل مكثف هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي ليبثوا سمومهم، وينشروا أدرانهم وغثاءهم، إن بعض هؤلاء الهجائين أزاحوا من على أجسادهم دثار الحياء، وأزالوا عن وجوههم أقنعة المبدأ وأخلاق الفرسان والثبات، إن أعطوا رضوا، وإن منعوا سخطوا، ما عندهم سمو أخلاق، ولا إشراق روح، انحدروا إلى مربع الرماد، وهاوية البذاءة المعتم، أوغاد في المبدأ والسلوك، هم من أشقى الناس في الدين والدنيا، ومثال بارز للبهت، يريدون لأنفسهم الضوء، وللآخرين العتمة والظلام، منظرون ليس إلا، وأفعالهم كاذبة، يتغيرون بشكل لحظوي، وينسلخون من مبادئهم كما تنسلخ الحية من جلدها، سلاحهم السب والهمز واللمز والقذف، ومواقفهم متأرجحة، منافقون جبلوا على النفاق، ومراؤون جبلوا على الرياء، ومتلونون يجيدون تماما التشكل والتلون، موهبتهم الشعرية لم يجعلوها من أجل الإنسانية والحياة، بل جعلوها معول هدم وردم وإزاحة، ثقتهم في النفس غير عالية، وشهيتهم وأطماعهم في نمو عجيب، عالة كبيرة على المجتمع، ينامون في سبات طويل، ويفيقون حين تحين المصلحة، لهم غيبة ونميمة وتناحر فيما بينهم، والشراكة فيما بينهم واهنة كبيت العنكبوت، يرخصون بعضهم بعضا من أجل المادة والكسب والمنفعة الشخصية، إني لأعجب من هؤلاء يمارسون الترزق من خلال أبواب الهجاء، بعيداً عن الحقيقة والمبدأ والصحيح، إن الذين يستحقون الهجاء فقط هم من خانوا الأمانة وطلقوا الوطنية والنزاهة والإخلاص والوفاء، وباتوا يلغون الماء مع أعداء الوطن في آنية واحدة، وينامون معهم في سرير واحد، ويقبضون منهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، هؤلاء هم من يستحقون الهجاء لكون فضائلهم تهاوت عند أقدامهم، يتنكرون في ثياب الملائكة وهم شياطين، تظاهروا بالوطنية وتمسحوا بها وليسوا من أهلها، جند من جند الشيطان، ملئت قلوبهم بالكبر والعداوة والحمق والبغضاء، أمام الناس يتظاهرون بالوطنية ويتغنون بها، وإذا خلوا إلى أنفسهم ينسلخون منها، هم كالشاة اعاثرة لا تدري إلى أين تمشي، وكالحرباء متلونة، يكيدون ويطعنون ويسخرون، يركبون كل صعب وذلول من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيئة، ألسنتهم عذبة، ومنطقهم جميل، وقلوبهم تقطر سماً وقطراناً أسود، يبدون في مظهر الأبرار، ويعملون عمل الأبالسة الأشرار، انطوت سريرتهم على الحقد، وضمائرهم على الخيانة، وألسنتهم على البهت، لهم أطماع وشهوات، ويريدون الحصول على المآرب، وإرضاء شهواتهم الرديئة، إن الذين اجتمعت فيهم كل هذا الصفات السيئة القبيحة أجدر وأحق بأن يهجوا هجاء مراً علقماً لا هوادة فيه ولارحمة، لكونهم خانوا المبادىء والثوابت والقيم، وداسوا على الوطنية، والتحموا مع الأعداء جسداً وقلباً وروحا.