أ.د.عثمان بن صالح العامر
كثيرة هي الكلمات التي تمر علينا ولا نتوقف عندها كثيراً، ولا نتأمل ونتفكر في عمق دلالتها حتى نكون نحن المعنيين بها والمهتمين لها، ومن بين هذه الكلمة (الله يحله)، فهي تمر على مسامعنا ولا نعطي لها بالاً لأنها غالباً من الكلمات الدارجة والمألوفة في حياتنا اليومية والمتداولة بين العامة خاصة عند كبار السن وعلى وجه أخص حين الموت لحظة الدفن وعند العزاء.
عندما توفي أخي الحبيب عبدالكريم (أبو صالح) جراء إصابته بفيروس كورونا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وقف أحدهم قريباً من قبره والناس تعزينا فيه قائلاً بصوت مرتفع (أحلوه)، وفي ذات الوقت صرت أسمع هذه الكلمة من تلك الجموع الغفيرة التي كانت في المقبرة أو أنها حضرت بعد ذلك للبيت أو أنها اتصلت معزية ومواسية (تره بحل)، هذا الموقف بالذات جعلني أتوقف طويلاً عند هذه الكلمة وأتبين أهميتها في حياتنا الأخروية، ولا عجب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري.
إن التحلل يتجاوز ما كنا نعتقد من كونه محصوراً بالحقوق المالية والتعاملات التجارية والأخذ والعطاء العيني إلا المظالم بدلالتها الواسعة التي تشمل الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والافتراء و... وهذه وما ماثلها الأخطر في حق بعضنا على بعض، ولذلك كان لزاماً على المسلم أن يطلب المسامحة ممن اقترف في حقه أياً من هذه السلوكيات التي حذر منها الرب أشد تحذير.
لقد أصبح لهذه الكلمة دلالة أعمق وأهم بعد ما حدث، ولكن بقي السؤال العالق في الذهن: لماذا نؤجل المسامحة والتحلل حتى يوضع أحدنا في قبره، لماذا لا نستشعر أهمية العفو والمسامحة والصفح في نفوسنا ويكن منا التحلل اليوم كما وجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتبع السلام على من نقابل في شارع الحياة ممن نتعايش معهم صباح مساء بهذه الكلمة (ترك بحل) وهذا طبعا يدخل في باب العفو الذي قال الله عز وجل فيه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِب الظَّالِمِينَ}، ولك أن تتصور عظم الأجر، ومن وعد بذلك هو أكرم الأكرمين (الله عز وجل)، فضلاً عن أن هذه الكلمة تدخل السرور في النفوس وتشيع الود والمحبة المجتمعية، وتجعل الواحد منا يخجل من أن يقترف أياً من هذه السلوكيات المشينة في حق من بادر بالمسامحة والحل وجهاً لوجه وهو لا يعلم ما قد يحدث بحقه في غيبته من تهجم عليه وغيبة له وأكل في لحمه والعياذ بالله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.