عبدالعزيز السماري
كتبت مقالاً منذ ثلاث سنوات بعنوان «الإخوان لا يسقطون»، وتناولت فيه أزمة الإخوان مع المجتمع بمختلف أطيافه السياسية، وذلك حين أشعلت حركة الإخوان المسلمين الواقع العربي السياسي والثقافي منذ اندلاع ما يُطلق عليه بالربيع العربي، وأصبحت المتهم الأول في اندلاع الفوضى الشعبية، والخروج على النظام في بعض الدول العربية.
حراك جماعة الإخوان لم يكن آنذاك شعبيًا صرفًا، ولن يكون كذلك، فالحراك الإخواني نخبوي بامتياز، ويسيطر عليه المؤدلجون بالحل الإسلامي السياسي، ولذلك يعمل في الخفاء لفترات طويلة، ويظل تنظيمًا سريًا بالنسبة للعوام، ويفتقر للحلول، ويستخدم الأنفاق السرية، وفن الاختفاء تحت وجوه مختلفة مثل صاحب معالي أو مدير جامعة أو رجل أعمال، لكنه لا يخفى. فالوجوه مهما تغيرت أو تبدلت ملامحها تظل مرتبطة بماضيها، ويظهر ذلك في بوضوح في سيرتهم الذاتية، وفي حرص المسؤول على السيطرة على المكتب أو الوزارة أو غيرها من خلال تعيينات على التوجه نفسه، وبالتالي تتسع دائرتهم، وتكبر، وتتضح، وتستطيع بعدها مشاهدة الصورة بأدق التفاصيل..
كتبتُ في السابق أن جماعة الإخوان محاولة دينية مسيسة هدفها الخروج السياسي من ثوب التقليد الإسلامي، ولكنها تلوثت بالمصالح الشخصية، وقد تشبه بدايات الحركة اللوثرية في أوروبا، التي تحولت لاحقًا مرغمة إلى فكرة تبدو ليبرالية لكنها في الواقع محافظة صرفة، لكنها لم تتخل عن مبادئها العليا، واحترمت في ظاهر الأمر ثوابت الحرية الاجتماعية والاقتصادية في تلك الأوطان، وعملت من الداخل على بسط نوفذها في كل مكان.
ليس من طبعي الإقصاء، لكن ما يفعلونه على مستوى الدول العربية هو إقصاء متطرف، خصوصًا إذا كان الرابط بينهم في العمل المؤسسي أو الحكومي هو تلك الإيدولوجية السرية، ويظهر ذلك في عدم سقوط العناصر مهما ثبت فشلهم في المهمة، ولو خرجوا لسبب ما لديهم القدرة على أن يعودوا إلى الواجهة بعد وصول أحدهم إلى مركز إستراتيجي في منصب ما..
أدرك أننا الدول العربية نعاني من الإقليمية أيضاً في فترات سابقة، فصاحب المنصب في أوقات مضت كان يحرص على منفعة أقربائه وأبناء منطقته مهما استطاع، لكنها حسب رأيي أقل خطورة من العلاقة الأيدولوجية، والتي تبسط نفوذها بصمت، ومن خلال وجوه تربطها مصالح مختلفة عن الروابط الإقليمية.
طوبى للذين دأبوا أن يعملوا في حياتهم دون تلك الروابط السرية، فقد عاشوا حياتهم يؤمنون بالكفاءة، وتحقيق الإنجاز. لكن الواقع، وبرغم من اختفائه بهذه القيم، يرضخ تحت علاقات الأيدولوجيا والمصالح، وأيضاً علاقات الإقليم, أو نظام «الشلة»، وهي بالمناسبة حبكة جديدة تنتظر أن تأخذ نصيبها من الغنائم..
أعتقد أن الوقت حان لتقوم دولنا العربية بتجريم أولئك الذين يقربون وينصبون أتباعهم أو من يتفق معهم أيدولوجياً أو أقليمياً، فالوطن العربي للجميع، وليس لجماعة سرية أو نخبة إقليمية..