د.عبدالله بن موسى الطاير
لم يعد الأمر محل نقاش في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد أثار تلكؤ الرئيس ترامب في موافقته على الانتقال السلمي للسلطة حفيظة المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، واضطروا ولسان حالهم يردد.
وليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
إلى توضيح الواضحات، باعتماده قراراً يؤكدون فيه الالتزام «بالانتقال المنظم والسلمي للسلطة، حتى لو رفض الرئيس ترامب القيام بذلك»، حيث قدّم عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي جو مانشين مشروع القرار بعد يوم من تشكيك الرئيس ترامب في مبدأ ديمقراطي أساسي، فما كان من مجلس الشيوخ سوى اعتماد القرار، بالإجماع، ليؤكد «التزامه بالتداول المنظم والسلمي للسلطة الذي دعا إليه دستور الولايات المتحدة؛ وقصد ألا يكون هناك أي تصرف من قبل الرئيس أو أي شخص في السلطة يتسبب في إسقاط إرادة الشعب الأمريكي».
وقال مانشين أمام مجلس الشيوخ: «إنه لأمر مخزٍ أن نأتي ونعيد تأكيد التزامنا ببلدنا ودستورنا ومن نحن كشعب»... «في بعض الأحيان نسمع أشياء تتحدى ذلك، وسمعنا ذلك بالأمس وكنا قلقين للغاية بشأن ذلك».
لم يتوقع الأمريكيون أنه سيأتي عليهم يوم يدافعون فيه عن نظام حكمهم ويخرج كبار المشرعين الأمريكيين من الحزبين بتغريدات وتصريحات تؤكد على أن السلطة سيتم انتقالها بالطرق السلمية المعتادة فيما لو فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن، فهل أدرك الأمريكيون أنهم يمرون بأزمة حكم حقيقية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تنعكس على الداخل الأمريكي والخارج؟
عام 2016م لم يؤخذ الرئيس ترامب بالجدية اللازمة وإنما كان مصدراً للتندر والاستخفاف معتمدين على أن النظام الديمقراطي وأدواته قادران على لجم طموحاته في الوصول إلى البيت الأبيض، في حين كان ترامب يدغدغ مشاعر الأمريكيين سواء في قاعدته الانتخابية التي اختارها بعناية أو في عموم الولايات المتحدة الأمريكية. وفي حملته الانتخابية تلك سلّط الضوء على فساد النخبة السياسية في واشنطن، مستغلاً تراجع ثقة الشعب في السلطة من نحو 75 في المائة في السبعينيات إلى أقل من 30 في المائة عام 2016م، ووظف لخطابه المتمرد على الأطر التقليدية في السياسة الأمريكية شبكات التواصل الاجتماعي مستفيداً من تراجع ثقة الأمريكيين بالإعلام التقليدي من 80 في المائة في عام 1970م إلى أقل من 25 في المائة عام 2016 وما قبلها بقليل.
اليوم وبعد 4 سنوات من حكم الرئيس تمكن من تغيير الكثير في الثوابت الأمريكية، وتعامل مع الكونجرس بطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها سابقة في تاريخ العلاقة بين الكونجرس والبيت الأبيض. ولم تسلم وزارة الدفاع والخارجية والعدل من تجاوزات الرئيس على صلاحياتها مستغلاً سلطاته الدستورية في إصدار الأوامر التنفيذية وعزل الوزراء إما من خلال تغريدة أو رسالة نصية وهو أمر لم يكن معهوداً في الولايات المتحدة الأمريكية. وتوترت العلاقة بينه وبين حكام الولايات الديمقراطيين لدرجة غير مسبوقية في العداء المعلن.
الشعرة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي هي تشكيك الرئيس في الانتخابات الأمريكية التي لم يجرؤ غيره على فعل ذلك من قبل، فقد كانت مقدسة وغير قابلة لتداول رسائل التعريض بنزاهتها عبر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. المألوف الذي شب عليه هذا الجيل الأمريكي وتربى هو أن تكيل أمريكا التهم للديمقراطيات الأخرى وترفض الاعتراف بها وتمارس الضغوط القصوى لإجبار الدول التي لديها انتخابات على قبول مراقبين دوليين وبخاصة من المؤسسات الأمريكية المتخصصة.
الرئيس ترامب لم يمس مصدر فخر الأمريكيين وهي انتخاباتهم فحسب وإنما سلك مناحي عديدة تعرض النسيج الاجتماعي للخطر من خلال خطاباته العنصرية واصطفافه إلى جانب استعلاء العرق الأبيض ورفضه معاقبة الشرطة أو حتى المساس بمخصصاتها المادية. لكن هذا الخطاب يجد قبولاً وسط قاعدته الانتخابية التي تصفق له وتعده بفترة ثانية لدرجة أنه الآن لا يتحدث عن انتقال السلطة وإنما عن تواصلها.
بالقدر الذي ينقسم فيه الشارع الأمريكي بحدة فإن الداخل والخارج ينتظر مفاجأة أكتوبر التي تعودها الأمريكيون في الشهر الذي يسبق الانتخابات الرئاسية. ولا أظن الرئيس الأمريكي سينهزم بقوة الطرف المقابل، ولكنه قد يسقط نفسه من خلال كبواته الكثيرة التي لا يعمل الكثير من الحساب لها عندما يتحدث أو يتخذ القرار.