عمر إبراهيم الرشيد
هناك مثل أجنبي مختصر وبليغ يقول (كن أنت) مصدقاً لقصة الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة ولما فشل لم يقدر على استرجاع مشيته الأصلية، وهي مثل على هيئة قصة رمزية، والأمثال رحيق تجارب الشعوب وثقافاتها. استحضرت هذين المثلين حين شاهدت بعض ما يكفي للحكم على مسلسل يسمى (الميراث)، اذ يصدق عليه هذان المثلان حقيقة، سواء من حيث مط الأحداث ومراكمتها لتصل الحلقات إلى ما فوق المئة أو تزيد تقليداً لتلك الأجنبية الاستهلاكية، أو تمثيل المجتمع السعودي على غير طبيعته، أو التصنع والتكلف السمج، فهل هذه وغيرها مما يطبع هذا العمل هي ما سوف يرضي غيرنا أو يعطيهم الصورة المقاربة لنا درامياً؟.
على النقيض تماماً، تابعت وباستمتاع مسلسل (أبله منيرة) الذي أعادت بثه مشكورة قناة ذكريات، هذه القناة التي انطلقت لعلها تريحنا من غثيان تلك القنوات التي تجيد استيراد البرامج والمسلسلات المعلبة كمثل الوجبات سريعة التحضير، متغافلة عن ثقافتنا الاجتماعية الشرقية وضاربة بالذوق العام كذلك عرض الجدار، ولا أسمي هنا قناة بعينها لأنكم لستم بحاجة للتسمية وتدركون تماماً ما أعني. أقول هذا المسلسل (أبله منيرة) الذي يشبه سابقه (الى أبي وأمي مع التحية)، ذا الطابع التربوي وبقالب درامي غاية في الامتاع واحترام عقلية المشاهد وقيمه، رغم مرور سنوات طوال على إنتاجه وبثه منتصف الثمانينات الميلادية. ولا يجادل كل مدرك بأن الدراما الكويتية قامت على أسس فنية وبشرية متينة مردها إلى وجود مسرحي فاعل على مدى عقود من الزمن، وبما أن المسرح أبو الفنون فهو بالضرورة ما ينتج مسلسلات ذات قيمة فنية واجتماعية مؤثرة لا تبلى مع الزمن، وتناسب مختلف الأعمار لأنها تتحدث عن البيت والأسرة وعلاقات أفرادها، ما يؤثر فيهم وعليهم من مشاعر وقيم، دون تصنع أو ابتذال وتلاعب بعقلية المشاهد لمجرد البهرجة ومحاولة تقديم صورة للمجتمع مزيفة، وإلا متى جلسنا على موائد الطعام ببدلات وربطة عنق وتكلف في الحديث وطريقة الأكل وغير ذلك، من كل ما يثير الضحك والغثيان حقيقة. ولا ننسى أن هناك أعمالاً سعودية قدمت ونالت نجاحات على المستوى العربي وليس المحلي فقط و(طاش ماطاش) أحدها، إضافة إلى مسرحيات نجحت وتفوقت لأنها نبعت من بيئتنا وثقافتنا وقدمت مشاكلنا الاجتماعية دون تزييف أو بهرجة مثل (تحت الكراسي) و(قطار الحظ) والتي توقف المسرح بعدها للأسف ردحاً من الزمن. لا أحب التشاؤم لكني أتساءل هل ولت سنوات الأعمال الرصينة وأصبحت الأعمال الحالية كالوجبات السريعة يعجبك شكلها في الإعلانات والصور فقط.
التقليد الأعمى لن يحوز إعجاب الآخرين الذين لا ينبغي الركض لنيله، بل ينبغي نيل الرضى المحلي الواعي بالطبع، بالمعالجة الفنية الصادقة والنابعة من المجتمع والوطن قيماً وثقافة وطبيعة، مع البعد الإنساني واستشراف الرؤية وأوجه التحول التنموي والاجتماعي الحاليين دون إسفاف أو بهرجة.
الفن نتاج ثقافي واجتماعي، وينبغي ويحسن بوزارة الثقافة التدخل لأن هذا من صميم اختصاصها، ولو كان ما يقدم من خلال قنوات فضائية، إذ إنها محسوبة اجتماعياً واستثمارياً علينا، فمتى يتم وضع مدونة سلوك إعلامي تلتزم بها كافة القنوات ومن خلال إشراك مؤسسة الأقمار الصناعية العربية (عربسات)، حيث تعد المملكة من كبار المساهمين فيها، ولوقف استيراد النفايات الإعلامية على اختلاف أصنافها، من أجل فضاء إعلامي أرقى حضارياً، إلى اللقاء.