ريم الحربي
بين اللطافة الشديدة والفظاظة والبشاشة والتجهم والهدوء والابتسامة والصوت العالي والنظرة الحارقة ملامح وجوه وصفات نلامسها، وتكرر علينا في داخل المنزل وأروقة العمل وزيارات الأهل ولقاء الأصدقاء.
وفي تعاملات الحياة تسمع من صديق مقرب يشكو إليك موقفاً استاء منه مردداً على مسمعك (ياليتني رديت ياليتني قلت كذا، استحيت ما عرفت اتصرف)، وقد تجد نفسك أيضاً في نفس هذا الموقف. أو قد يكون لك تجربة مختلفة السياق في موقف آخر كنت تود أن تقول لا عندما لا تستطيع أداء ما يطلب منك فتتفاجأ بنفسك تنطق كلمة نعم، أو استمرارك بالحديث مع شخص في موضوع غير مهم وتشعر بالحرج من مقاطعته وإيقافه بالرغم من أن وقتك أزف ولديك موعد آخر.
نجد أيضاً هناك من يتنازل عن بعض القيم خوفاً من الرفض، وخجلاً من مخالفة آراء الآخرين، وهناك من يحمل نفسه أعباءً اجتماعية ومهنية ومادية تفوق قدراته وطاقاته وتشعره مع الوقت بالتقصير والعجز.
هذه المواقف التي نمر بها تجعلنا نقف قليلاً ونتحدث عن ما يسمى في علم النفس تأكيد الذات والحرية الانفعالية.
ظهر على يد العالم جوزيف ولبي الذي يعد مؤسس مفهوم توكيد الذات، يشير لتأكيد الشخص نفسه أو أن يدرب نفسه ليس فقط على الاستجابات السلبية والسيطرة وإعطاء الأوامر والتحكم في الآخرين فقط، بل أن يكون قادراً على التعبير عن عواطفه الإيجابية بشكل عام كالتعبير عن الصداقة والود والإعجاب والشكر وغير ذلك، وأسلوب تأكيد الذات يعني بشكل عام يعني حرية التعبير الانفعالي وحرية الفعل على السواء، سواءً كان ذلك في الاتجاه الإيجابي أي في اتجاه التعبير عن الأفعال والتعبيرات الانفعالية الدالة على الاستحسان والتقبل وحب الاستطلاع والاهتمام والحب والود والمشاركة والصداقة والإعجاب والشكر، أو في الاتجاه السلبي في التعبير عن الأفعال والتعبير الدال على الرفض وعدم التقبل والغضب والألم والحزن والخوف.
وكثير من الأشخاص يجدون صعوبة بالغة في التعبير الإيجابي.
ويعود الهدف من توكيد الذات إلى زيادة الثقة في النفس، حيث إن تطابق القول والفعل أمر ضروري للتمتع بالصحة النفسية.
ومن خصائص الشخص المؤكد لذاته:
1. القدرة على التعبير عن النفس بواسطة الكلمات والتصرفات بما فيها أن يقول نعم عندما يريد الموافقة ولا في حالة الرفض.
2. القدرة على التعبير عن المشاعر الإيجابية من حب ومحبة وود وإعجاب وسعادة وبهجة وثناء في الأوقات والمواقف المناسبة.
3. القدرة على المطالبة بالحقوق دون المساس بحقوق الآخرين.
4. الإيجابية والمضي قدماً لتحقيق الأهداف بعكس الشخصية السلبية التي تنتظر الأشياء لتحدث.
5. استخدام لغة جسد ملائمة تساعد في التعبير عن صدق المشاعر والانفعالات.
وقد يتصور البعض أن التعبير الإيجابي عن الانفعال يعني التلاعب والنفاق والخداع، لكنّ هناك فرقاً كبيراً بين خداع الآخرين وإعطائهم صورة مضللة لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية وبين أن يكشف الشخص ويعبر عن مشاعره الحقيقة بانفتاح وتلقائية، وبالتالي ينخفض لديه مستوى القلق، وتزداد قدرته على إقامه علاقات وثيقة ويساعده في التكيف الاجتماعي الفعال.
وهنا بعض الخطوات التي تساعدك لتأكد ذاتك، قم بالآتي:
- المبادرة في التواصل الاجتماعي.
- التفاعل في المواقف الاجتماعية والاستجابة للنقد والاختلاف مع الآخرين.
- القدرة على مواجهة الآخرين.
- الدفاع عن الحقوق الخاصة واحترام الحقوق العامة.
- إبداء الإعجاب وعدم الخجل في التعامل مع الآخرين.
- القدرة على الاختلاف وتوجيه العتاب والتعبير عن الغضب.
- القدرة على الاعتذار العلني والاعتراف بقدرة الذات والاستقلال في الرأي.
- تجاهل محتوى الرسالة أو السلوك الغاضب والتركيز بدلاً من ذلك على طريقة الشخص الانفعالية في الحديث والتواصل، والعودة للنقاش بعد الهدوء.
- المهارة في التعامل مع الصراعات الاجتماعية وما يتطلب ذلك من شكوى أو سماعها أو تفاوض أو إقناع.
ولضعف تأكيد الذات مظاهر من أبرزها موافقة الآخرين ومسيارهم بشكل دائم، عدم القدرة على التعبير عن المشاعر، وضعف القدرة على إبداء الرأي وبدء الحوار واستمرار المناقشة، الحرص الزائد على مشاعر الآخرين، التردد في اتخاذ القرارات، قبول مهام وطلبات فوق طاقاته لعدم القدرة على الرفض سواء من قبل الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء العمل والمديرين، تواضع زائد في مواقف لا ينسبها ذلك، وفي لغة الجسد نلاحظ ضعف التواصل البصري ونبرات الصوت والجلوس والوقوف.
ويوجد كثير من الفنيات السلوكية التي تستخدم في مختلف المواقف ويتم تدريب الأشخاص عليها لدى المختصيين النفسيين.
ويجب علينا أن نفرق بين الحياء المحمود الذي يُعد خصلة من الخصال السامية التي حثنا عليها ديننا الحنيف، وبين ضعف توكيد الذات الذي يترتب عليه معاناة الفرد وخسارته لحقوقية وبين العدوانية، وهنا تكمن شعرة معاوية.
فالسلوك التوكيدي يمثل روح العصر في الحياة الحديثة، ويتميز هذا السلوك في الوسطية بين الإذعان للآخرين والتسلط والاعتداء عليهم، والوسطية في مراعاة الفرد لمشاعر الآخرين وحقوق الذات، حيث يتوافق السلوك الظاهري من أقوال وأفعال مع السلوك الباطني من مشاعر ورغبات وأفكار.