إعداد - محمد سعيد الغامدي:
ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى العطرة - ذكرى اليوم الوطني المجيد، يوم توحيد البلاد تحت قيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله، والذي تم إعلان توحيدها تحت اسم المملكة العربية السعودية، في اليوم الأول من الميزان، يوم 21 جمادى الأول 1351هـ، الموافق 23 سبتمبر 1932م. ونحن نعيش هذا اليوم لا بد لنا أن نُذكر بالخطوات الكبرى الإنسانية والحضارية للمؤسس عبدالعزيز.
منذ يوم إعلان توحيد البلاد، بل وقبل هذا اليوم، كان هدف الملك عبدالعزيز تحقيق الوحدة الكاملة والأمن الشامل الحقيقي، وإزالة كل ما اعترى جسد الوطن وأبنائه من خوف وتشتت وعناء، فسعى إلى بناء دولة حديثة تستفيد من كل جديد مفيد يساهم في تطوير الوطن وتحقيق المكانة المستحقة بين الدول. ووسائل التواصل والإعلام من أهم الوسائل التي جلبها لبلده لتقريب المسافات بين مناطق المملكة، والتواصل مع ممثليه في مختلف أنحاء البلاد وأيضاً فيما بينه وبين أبناء شعبه. كذلك رأى في هذه الوسائل أداة للتسريع في تحقيق الأهداف والتطوير وإنجاز المشاريع.
نعم، احتفال بذكرى يوم وطني مجيد يُخلد سنوات من الجهود الخيرة والإنسانية التي بذلها الملك عبدالعزيز لتوحيد أجزاء الوطن وإقامة الدولة، وسنوات أخرى للمشروعات والبناء والإنجازات في مختلف المجالات وخاصة التعليمية والتقنية وفي وقت وجيز، خاصة إدخال مختلف التقنيات الحديثة في مقدمتها الوسائل الحديثة للتواصل والإعلام. فحقق لوطنه ولشعبه وفي فترة قصيرة ما لم تحققه أي دولة إقليمية أو غيرها في ذلك الوقت.
وكم كانت تلك الجهود الخيرة والإنسانية المباركة التي بذلها الملك المؤسس رحمه الله، منطلقة من مشاعر أبوية وإنسانية صادقة حيث اعتبر مواطنيه كأبنائه - أسرته الكبيرة فوحد الكل في بوتقة الأسرة الواحدة يربطها رباط الأخوة في الدين وفي الوطن، وأيضاً في الطموحات والرؤى والتطلعات لبناء دولة موحدة متماسكة حديثة تبني وتنتج وتعيش حاضرها الزاهر وتسير في خطى ثابتة نحو مستقبل جميل وعظيم في مضامينه وأهدافه. مملكة تعيش العصر مستفيدة من كل ما لا يتناقض مع دينها وقيمها، من كل التقنيات الإيجابية المفيدة في البناء والرفعة.
والملك عبدالعزيز في شخصه هو إنسان متدين قوي متواضع، ومنفتح على الآخر، وعلى كل شيء إيجابي مفيد، فلو أخذنا على سبيل المثال، في مقالتنا هذه، ترحيبه بكل الوسائل الإيجابية المفيدة، أي وسائل التواصل والإعلام، نجد أنه ومنذ شبابه المبكر، وكذلك بعد توحيد أجزاء البلاد كان مرحباً بكل جديد مفيد، ليس فيه ضرر على طبيعة المجتمع المسلم المعتقد والشرقي العادات والتقاليد.
كثير من أبناء الوطن يعلمون أن حقبة ما قبل النفط في الجزيرة العربية تختلف تماماً عما بعدها. قبل النفط كانت الجزيرة العربية تعيش منكفئة على ذاتها أو كما يقال منغلقة على نفسها، وتعاني من شظف الحياة - حياة تقليدية، معتمدين على الزراعة والرعي، ووسائل تنقلهم وحمل أغراضهم على ظهور الجمال والخيل والبغال والحمير.
لكن بعد توحيد البلاد وظهور النفط، اتجه الملك عبدالعزيز إلى استغلال هذه الثروة الجديدة النابعة من ثرى الوطن للنهوض بالدولة والمجتمع، فلعبت هذه الثروة، رغم قلة وفرتها المالية في البداية دوراً كبيراً في نقل المجتمع من حياة العزلة وصعوبة الحياة إلى حياة أفضل والعيش الكريم في أجواء جديدة من التنقل بأمان وفي التواصل السهل بين مناطق البلاد والانفتاح على الخارج القريب أو البعيد، والاطلاع على ما اخترع وصنع واستعمل في الغرب ومن ثم اقتنائه لوضعه في خدمة إنسان هذه البلاد.
طبعاً كان هناك فئة قليلة جداً، سواء عن قلة معرفة أو من أنانية شخصية، كانت متخوفة من دخول هذه التقنيات الحديثة، فتسرعت في الإنكار والرفض، ظنوا أنها ستؤثر على القناعات الدينية والعادات المتوارثة، ولكن مباشرة بعد ما اتضح لهم فائدة وإيجابيات التقنيات الحديثة، قبلوا بها واستفادوا منها، أسوة ببقية أفراد المجتمع.
وهنا سندخل مباشرة في أولى وسائل التواصل والإعلام التي دخلت المملكة وتم الاستفادة منها حكومياً وشعبياً.
السيارة: أولى وسائل التواصل
السيارة كانت من أولى وسائل التواصل الحديثة التي استعملها الملك عبدالعزيز، ففتح لها الطرق في الرياض عاصمة البلاد وفي مدن الحجاز، وقد استفاد منها في تنقلاته ورحلاته. حيث نجد أن أول سيارة دخلت المنطقة الوسطى من البلاد، تقريباً في عام 1340هـ الموافق لعام 1922م، وهي السيارة التي أتى بها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- واستعملها آنذاك في الرياض. ربما، حسب بعض المصادر هناك تواجد مبكر للسيارة في المنطقة الوسطى في مدينة حائل.
وتبقى منطقة الحجاز، حسب أغلب المصادر، أول منطقة دخلتها السيارة، بسنوات قليلة عن الرياض، وهنا نسجل قيام شركة أجنبية بتوفير المواصلات العامة بين جدة ومكة المكرمة عام 1926 م على خطوط ترابية يختطها السائقون حسب معرفتهم للطرق. ثم في عام 1927 م تم تعبيد أول طريق يصل بين مكة وجدة.
التلغراف واللاسلكي
أيضاً هاتان الوسيلتان، كانتا من أولى وسائل التواصل، حيث اقتناهما الملك المؤسس، لعلمه بأن التلغراف وأجهزة اللاسلكي وسائل ضرورية لتسهيل التواصل مع موظفي الدولة في بعض المدن والمناطق، ولإصدار الأوامر، وخاصة العاجلة منها.
مباشرة، بتكليف من الملك، «اجتمع مجلس الوكلاء» في مكة برئاسة نائب الرئيس، لإصدار قانوني البرقيات والبريد وما تضماها من تنظيم لهاتين الوسيلتين الجيدتين على المجتمع وأيضاً ما تضمنته من أوامر ونواهي تخص العامل في الوسيلة والمستفيد منها على حد سواء. ومن ثم تم استيراد أجهزة التلغراف والبريد، وتنظيم استعمالها على مستوى المجتمع. وتلا هذه الخطوة خطوات أخرى لإدخال وسائل حديثة سنتطرق لها خلال الصفحات التالية.
وللتوضيح، إذا سبق وأن ذكرت بعض المصادر أنه كان هناك نظام للبرق والبريد في مدن الحجاز، فقد كان هذا الظهور بسيطاً أو على خجل ومحدود جداً، فقط لخدمة الوالي الأجنبي. مما يعني أن بعض أهالي هذه المدن الثلاث الكبرى في الحجاز، لم يعلموا بها أو لم يستفدوا منها، ولهذا السبب كان هناك رفض شعبي للتهميش منكرين خطوات التتريك، وبرز تيار محلي لتحرير الذهنية المحلية من قيود الأجنبي. تيار وطني ضد التتريك. وفي نفس الوقت رحبت هذه المنطقة - منطقة الحجاز بابن الجزيرة العربية البار الغيور القادم من الرياض - بالملك عبدالعزيز. وخير دليل على ذلك أن مدن الحجاز الرئيسة دخلت تحت سلطة الملك عبدالعزيز دون قتال.
وذكر السيد عبدالله صباغ، أنه مباشرة بعد رفع الحصار عن جدة ومغادرة الأجنبي، ودخول مدن الحجاز سلماً تحت سلطة عبدالعزيز، «اجتمعت اللجنة الأهلية، والتي انتخبها السلطان عبدالعزيز، أجمعت في جدة برئاسة الحاج عبدالله علي رضا، واتخذت قرارها بتعيين الشيخ عبدالله بن إسماعيل كاظم مديراً عاماً لدائرة البريد والبرق واللاسلكي في سائر البلاد». (المجلة العربية، عدد 528 بتاريخ محرم 1442هـ سبتمبر 2020م).
منذ عام 1344هـ - 1924م، عام ضم الحجاز، بدأ الملك عبدالعزيز في الاستفادة من التقنيات الحديثة في عالم التواصل والإعلام، فسعى إلى تعميمها على مدن البلاد، لما لها من دور في إرساء قواعد الأمن والاستقرار والنهوض بالوطن والتواصل السريع بينه وبين ممثليه في المناطق وبينه وبين أفراد شعبه. وحيث إن مساحة البلاد كبيرة مترامية الأطراف، قام بربط جميع المناطق المهمة بشبكة اللاسلكي والبريد، وبالشنطة الملكية وسيارة تحمل جهاز لاسلكي ترافق الملك في تنقلاته، وذلك رغم الصعوبات التي واجهها بسبب عدم وجود فنيين متخصصين من أبناء الوطن.
في الحقيقة، كانت هناك مشكلتان واجهتا الملك في مجال اللاسلكي والسيارة، هما، غياب الكوادر الوطنية المدربة، وصعوبة فهم البعض أو عدم استيعابهم إيجابيات التقنيات الحديثة. وقد وقف أمام المعضلتين بدعم في الأولى وبحزم في الثانية، حيث أمر بإرسال أول بعثة من المتدربين السعوديين إلى بعض المعاهد المتخصصة وخاصة إلى لندن بداية عام 1930م، وكذلك حذر الرافضين بقوله: «هناك مسألتان لا أسمع فيهما كلام أحد بعد أن ظهرت فائدتهما لي ولبلادي، اللاسلكي والسيارات».
ومنذ ذلك الوقت، بادر إلى تعميم المراكز اللاسلكية في مدن المملكة وتم افتتاح معاهد داخل البلاد لتعليم فنون الاتصالات الحديثة. كما قام -رحمه الله- باستيراد عدة مكائن اتصال مستقبلة ومرسلة، منها الثابت ومنها المتحرك، فأصبح اللاسلكي، وخاصة بعد عام 1351هـ - 1931م، هو اللسان الذي يتحدث فيه الملك والعين التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها. بل من أجل التخفيف على مواطنيه نجد أن الملك أمر في مارس 1926 بتخفيض أجور خدمات الاتصالات، التي بدأت في بداياتها مرتفعة التكاليف، وطلب بتخفيض رسوم الرسائل لعموم المدن، كما سمح في نفس العام بتركيب هواتف للعموم في منازلهم ومتاجرهم، وهو الذي لم يكن موجوداً أو مسموحاً به قبل بداية عهد الملك عبدالعزيز.
دخول البرق والهاتف وتعميمه
التاريخ المشروع - الإنجاز
بين عامي 1925 - 1932م إنشاء شبكة اللاسلكي
في شهر سبتمبر 1926م تم تركيب آلة جديدة للبرق اللاسلكي في الطائف
عام 1926 تم التفاوض مع شركة إيسترن لمد كيبل بحري بين ميناءي جدة وبورتسودان
عام 1935 تحديث وتطوير العقد باتفاقية جديدة كلياً
عام 1930م إنشاء أول مديرية للبرق والبريد والهاتف في مكة المكرمة
عام 1930م صدرت موافقة المقام السامي على إنشاء أول مدرسة لتعليم فن اللاسلكي في جدة
أكتوبر 1930 تم التوقيع على عقد مع شركة ماركوني البريطانية لاستبدال الأجهزة القديمة بأجهزة حديثة، بقيمة 36900 جنيه إسترليني
إبريل 1931م أول دفعة من أجهزة ماركوني برفقة أربع سيارات لاسلكي، وتم تجربة قوة الاتصال، ووقف الملك عبدالعزيز شخصياً على ذلك، وتلقى اتصالاً من أمير ضبا نصها: «كل عام وأنتم بخير يا طويل العمر».
عام 1931م إنشاء أول برج برقية في الرياض في حي «جبرة» في قلب مدينة الرياض
20 أغسطس 1931م تبادل أول برقية بين الرياض والطائف، من الأمير فيصل إلى والده الملك عبدالعزيز في الرياض
عام 1931م إنشاء المحطات اللاسلكية السيارة لتأمين الخدمات البرقية
سبتمبر 1931م وصلت شبكة الاتصالات البرقية لكل من بريدة وحائل وتبوك والقريات
عام 1932م تشغيل أول مقسم بالرياض في قصر الحكم، بسعة (50) خطاً
يوليو 1932م وصلت شبكة الاتصالات البرقية لكل من: القطيف والجبيل والعقير، وحصلت الأحساء على جهاز ماركوني ثابت، ثم الدوادمي في أكتوبر من نفس العام
في شهر فبراير 1933م افتتاح أول مركز للهاتف في الرياض
وفي شهر مايو 1933م سجلت أول مكالمة تلفونية بين الرياض ومكة المكرمة مدتها 30 دقيقة بين الأمير فيصل بن عبدالعزيز في مكة وأخيه الأمير سعود بن عبدالعزيز في الرياض، وتم نقل الأخبار من الرياض إلى مكة عبر التلفون لنشرها في صحيفة أم القرى.
عام 1934م دخلت خدمة الهاتف إلى السعودية لأول مرة
عام 1939م تم جلب آلات هاتفية متطورة من أمريكا
عام 1947م تم إرسال بعثة فنية لتعلم تقنيات التلفونات الأتوماتيكية
عام 1952م إنشاء شبكة الهاتف اللاسلكي
من خلال هذا الجدول أعلاه، يتضح أنه بحلول فبراير 1933 كان هناك تقريباً أكثر من 28 مركزًا لاسلكيًا، تجري من خلالها الاتصالات لكافة أنحاء البلاد. بالإضافة بالطبع إلى مركز جدة «الدولي» وهو المركز الرئيسي الذي يستلم «الاتصالات التلفونية» ويوزعها بين المراكز. وقد شكل هذا الخط التليفوني مع المراكز المرحلة الأولى لشبكة الاتصالات السعودية في عهدها الأول عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - واستمرت هذه الشبكة ومن ثم تم رفع طاقة سنترال التليفونات في مكة المكرمة من 100 خط إلى 200 خط خلال تلك الفترة.
البريد
شهد البريد السعودي في نهاية العشرينات الميلادية نقلة كبرى، ففي أغسطس من عام 1926م تم إطلاق أول مشروع لتركيب صناديق بريد أمام المنازل، بهدف حفظ المراسلات وسرعة تسليمها لأصحابها. وفي حج عام 1927م تم تركيب صناديق بريد في بعض الطرق في مكة المكرمة كي يسهل على الحجاج سرعة إرسال خطاباتهم إلى ذويهم. وفي نفس السنة قُبلت الحوالات والطرود البريدية العادية بمكة المكرمة. وفي إبريل 1929 تم نقل البريد ولأول مرة بين مكة وجدة والمدينة المنورة بواسطة السيارات بدلاً من الهجن، الأمر الذي اختصر الزمن بصورة قياسية. وفي شهر أكتوبر 1934 بدأت انطلاقة أول بريد بالسيارات بين مكة والرياض والأحساء مرتين في الشهر. وفي نفس العام وأيضاً وللمرة الأولى تم تدشين أول خط بريدي بالسيارات من مكة إلى القصيم فحائل فالجوف، ثم في مارس 1941 تم الربط البريدي البري بين مكة وأبها عبر بيشة. وقد حظيت منطقة الظفير «بلاد غامد وزهران» بمركز بريدي في بني كبير المتاخمة لبيشة التي يمر منها آنذاك الخط البريدي إلى أبها.
أيضاً شهد البريد السعودي في نهاية الثلاثينيات الميلادية نقلة أخرى كبرى، حيث تم إرسال أول بريد جوي بين جدة والمدينة لأول مرة في شهر فبراير 1937م، لتنتظم العملية بعد ذلك من خلال شركة الملاحة الجوية المصرية بموجب ترخيص من الحكومة السعودية. ومنذ سبتمبر 1947 أخذت طائرات الخطوط السعودية مهمة نقل البريد بين جدة والطائف والرياض والظهران ومصر.
عموماً مع نهاية الأربعينيات الميلادية بداية الخمسينيات تم وضع المملكة على خارطة العالم في مجال الاتصالات وتم الدخول عضواً في الهيئات الدولية ذات الشأن في هذا المجال، مثل الحصول على عضوية اتفاقية البريد الدولية الموقعة في لندن، وكذلك نيل عضوية الاتحاد العالمي للبريد في بيرن بسويسرا، أيضاً إبرام اتفاقيات ثنائية بين المملكة وعدد من الدول، على سبيل المثال: مصر والهند.
الطيران
الخطوط الجوية السعودية، هي أيضاً قصة من قصص الإنجازات الكبرى للملك عبدالعزيز في الزمن الصعب اقتصادياً، حيث يتضح أن تأسيسها كان مع نهايات الحرب العالمية الثانية بعد أن أنشئت وزارة الدفاع وذلك بتاريخ 1ربيع ثاني 1365هـ الموافق لـ6 مارس 1946م وأصبحت تابعة لوزارة الدفاع، حيث وضع الملك عبدالعزيز الطائرة الداكوتا دي سي 3 التي قدمت له من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وضعها الملك المؤسس كنواة للخطوط الجوية السعودية دعماً لها في يوم تأسيسها.
وبدءًا من شهر مارس 1946 م بدأ انطلاق الطيران التجاري في المملكة ما بين الرياض وجدة والظهران. وفي عام 1948 م تم شراء خمس طائرات من «DC-4» ، ثم في عام 1949 م تسلمت الخطوط السعودية خمس من طراز بريستول 170 لدعم شبكة الرحلات الداخلية والدولية. وفي عام 1952م تم شراء طائرات دوغلاس دي سي 4 ذات المدى الطويل سمحت بتشغيل رحلات على محطات أبعد. أيضاً في عام 1953 م تم شراء عشر طائرات من طراز كونفير 340 وكانت هي الأحدث آنذاك.
بالنسبة للإعلام «الصحافة والإذاعة آنذاك»، نجد أن الملك عبدالعزيز استشعر أهميتهما، فكان على اتصال بالصحف العربية والأجنبية وعلى اطلاع لما ينشر فيها من معلومات وأخبار. وما يجدر التنبيه إليه أن أخبار الملك عبدالعزيز منذ استعادته الرياض 1319هـ/ 1902م لم تكن غائبة عن الصحافة العالمية فقد نشرت صحيفة ستاندرد standard البريطانية على سبيل المثال في عددها الصادر في 3 مارس 1902م خبراً تحت عنوان «معارك في شبه الجزيرة العربية» تضمن معلومات عن استعادة الملك عبدالعزيز الرياض.
وفي مجال اللقاءات الصحفية، كان اللقاء الصحفي مع الملك عبدالعزيز، الذي أجراه الكاتب السعودي إبراهيم الدامغ عام 1330هـ - 1912م، مباشرة بعد استعادة منطقة الأحساء، أول لقاء إعلامي مع الملك المؤسس رحمه الله. وقد تحدث المؤرخ والإعلامي الكبير الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمه الله، فقال: «إن صلة الملك عبدالعزيز بوسائل الإعلام تبين عبقريته الفطرية في تعاملاته وفي أسلوبه في توظيف الإعلام رغم إمكانياته المحدودة آنذاك، حيث وضعها في خدمة برنامجه الوحدوي التنموي، وفي تكريس علاقاته السياسية والمصالح الدبلوماسية لتعزيز مركزه وقوته بين الدول».
على مستوى الجزيرة العربية، نعلم أن مدن الحجاز الرئيسية الثلاث حظيت بالدخول المبكر للطباعة وبدخول الصحافة مع بدايات القرن العشرين ولكن في نطاق ضيق جداً ولخدمة الوالي الأجنبي وسياسة التتريك. لذا فإن البداية الحقيقية والواضحة لنشأة الصحافة الوطنية على المستوى الرسمي والشعبي في المملكة العربية السعودية، بدأت منذ الأيام الأولى لدخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة، حيث تم إصدار جريدة أم القرى بديلاً لجريدة القبلة، ومن ثم أصبحت الجريدة الرسمية للدولة. وبذلك يمكن أن نؤرخ بداية الصحافة السعودية بتاريخ إنشاء صحيفة أم القرى.
في الحقيقة، حسب بعض المصادر، يتضح أن الملك عبدالعزيز أراد إصدار جريدة في الرياض تسمى الرياض وذلك في منتصف عام 1342هـ الموافق لبداية عام 1923م أي قبل دخوله منطقة الحجاز، حيث إن الملك خلال تواجده في الأحساء طلب أن يُبحث له عن شخص يتولى مهمة إصدار جريدة في الرياض فذكر له اسم شخص من سوريا يدعى يوسف ياسين، فتمت دعوته، ومباشرة انتقل إلى الرياض بدايات عام 1343هـ/ 1924م للالتحاق بالملك عبدالعزيز ليكون في خدمته. لكن خلال نفس العام كان الملك عبدالعزيز قد دخل الطائف في طريقه إلى مكة المكرمة، فأتت الأولوية مباشرة لإصدار جريدة من مكة المكرمة ذات الأهمية الكبرى على المستوى الإسلامي فتم إصدار جريدة أم القرى.
إذاً قدوم الملك عبدالعزيز إلى الحجاز ودخوله مكة المكرمة عام 1924م ومع بداية الاستقرار الأمني والسياسي بدأت من ذلك التاريخ حركة التحديث والتطوير الإعلامي في البلاد تحت قيادته، وبدأت تصدر صحف ومجلات في المدن الكبرى بالمناطق الرئيسية الثلاث.
صدر خلال حياة الملك عبدالعزيز أربع صحف وسبع مجلات، وهي:
الرقم اسم المطبوعة تاريخ الإصدار مكان الإصدار انتظامية الإصدار
1- جريدة أم القرى 12-12-1924م مكة المكرمة أول صحيفة تصدر في العهد السعودي اختصت بعد عام1952 م بالأمور الرسمية - الأوامر الملكية والبيانات الحكومية، «أسبوعية كل يوم جمعة»
2- مجلة «الإصلاح» 1-8-1928م مكة المكرمة عن مديرية المعارف بمكة - رغم اختفائها بعد صدور أعدادها الأولى، تعد أول مجلة في العهد السعودي
3- جريدة صوت الحجاز «البلاد السعودية لاحقاً» 4-4-1932م مكة المكرمة تذبذب مسماها. أصبحت جريدة أسبوعية تهتم بالمواضيع والأخبار الأدبية. توقفت في شهر يوليو 1941م ثم عادت للصدور في 4-3-1946م تحت اسم «البلاد السعودية» محتفظة بطابعها الأدبي وصارت يومية
4- مجلة المنهل فبراير 1937م المدينة المنورة ثم من جدة أول مجلة شهرية أهلية بحثية متخصصة في الثقافة والأدب لصاحبها عبدالقدوس الأنصاري
5- جريدة المدينة المنورة 7-4-1927م المدينة المنورة أسبوعية ثقافية، تصدرها مؤسسة المدينة للصحافة. انتقلت إلى جدة في نوفمبر 1962م تصدر يومياً
6- مجلة «النداء الإسلامي» يونيو 1937م مكة المكرمة مطبوعة إسلامية - كانت تطبع في إندونيسيا - توقفت بعد عام ونصف من صدورها
7- جريدة الشمس والوهج «Sun and Flare» باللغة الإنجليزية 2-6-1946م الظهران صدرت عن شركة الزيت العربية الأمريكية، أول صحيفة سعودية في المنطقة الشرقية، وأول مطبوعة باللغة الإنجليزية
8- مجلة «الحج» مايو 1947م مكة المكرمة أصدرتها مديرية الحج بوزارة المالية. ومستمرة
9- مجلة «الغرفة التجارية» يناير 1948م جدة شهرية، أصدرتها الغرفة التجارية بجدة. ومستمرة
10- مجلة «اليمامة» أغسطس 1953م الرياض أول مطبوعة تصدر في المنطقة الوسطى، أصدرها الأديب المؤرخ حمد الجاسر تصدر عن مؤسسة اليمامة الصحافية، ومستمرة في الصدور
11- مجلة «قافلة الزيت» أكتوبر 1953م الظهران تصدرها شركة الزيت العربية الأمريكية - أرامكو. ثاني مطبوعة في المنطقة الشرقية، وأول مجلة هناك، تغير اسمها عام 1983 م إلى «القافلة»
لذا يتضح هنا أن الصحف والمجلات التي صدرت في عهد الملك عبدالعزيز عددها إحدى عشر صحيفة ومجلة على مستوى المدن الكبرى الرئيسية في المملكة، بعضها ما زالت تصدر حتى الآن.
وبما أن الدكتور الشبيلي ذكر في كتابه «الملك عبدالعزيز والإعلام» أن صدور أول صحيفة في مكة قبل العهد السعودي، كان في عام 1908 م وهو تاريخ صدور صحيفة الحجاز، التي أصدرها الوالي التركي في مكة باللغتين العربية والتركية. ومن أنه ظهرت بعد ذلك خمس صحف خلال عام واحد وكانت متذبذبة في الصدور وضعيفة الإمكانات، ثم اختفت كلها بسرعة ما عدا الحجاز التي انتقلت مع الوالي إلى المدينة. وبذلك يتضح لنا أن مدة صحافة الأتراك تسع سنوات فقط، هي فترة محاولات لتأسيس صحافة لم تنجح، حيث دخل الأهالي والأعيان في صراع مع التتريك، سميت بالثورة على الأتراك. تلاها فترة أطلق عليها فترة «الهاشميين» والتي مدتها ثمان سنوات تقريباً كلها أيضاً كانت فترة صراع وعدم استقرار، أي صراع بين هويتين «القومية العربية» والعثمانية «التركية»، هذه الفترة التي سماها البعض «بفترة الهاشميين»، والأصح أنها فترة عصيان وثورة الحجاز على الأتراك، والتي استمرت ثمان سنوات وظهر فيها ثلاث صحف ومجلة، باللغة العربية، هي: جريدة القبلة، وجريدة الفلاح في مكة، وبريد الحجاز في جدة، ومجلة مدرسة جرول الزراعية في مكة. جريدة القبلة هي التي استمرت وبتذبذب حتى دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة، فتم إلغاء جريدة القبلة وحل محلها جريدة أم القرى.
الإذاعة
هي الوسيلة الإعلامية الثانية التي اهتم بها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وسعى لإدخالها حيث كان يريد اطلاع العالم الخارجي وخاصة الإسلامي على حقيقة الأوضاع في المملكة، فبدأ بإنشاء مجلس للدعاية والحج يتبع وزارة المالية للقيام بمواجهة الحملات المغرضة، وكان ذلك في عام 1355هـ، ثم جاءت الخطوة الأهم في مسيرة الإعلام السعودي آنذاك، فتذكر لنا وثائق وزارة الإعلام أن الإذاعة السعودية أنشئت بمرسوم ملكي بتاريخ 23-9-1368هـ الموافق لبداية 19 يوليو 1949م. مرسوم أتى بعد أن عرض ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز، فكرة إنشاء الإذاعة على والده الملك عبدالعزيز، فبارك الملك المؤسس الفكرة وكلف وزير المالية آنذاك عبدالله السليمان الحمدان باتخاذ الإجراءات الإدارية والفنية لتنفيذها.
وتم الاتفاق مع مؤسسة «إنترناشيوال ستاندرد اليكترونيك international standard Elect. Corp. « التابعة لـ»الشركة العالمية للتليفون والتلغراف» (I.T.T) ، وقع وزير المالية عقد الاتفاق في مقر السفارة السعودية في القاهرة بتاريخ 11-5-1949م بتكلفة بلغت ربع مليون دولار. وحدد العقد ثلاثة أشهر لتركيب المعدات ومرسلة بلغت قوتها 2.5 كيلووات على موجات قصيرة ومتوسطة، على أن يقام الاستوديو وغرفة المراقبة وعمود الإرسال في جدة، وأن يتم إنشاء استوديو آخر في مكة المكرمة، فكانت هذه النواة الأولى لتأسيس الإذاعة السعودية، التي كانت في بداية عهدها تحت إشراف نائب الملك في الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز. وقد بدأ أول بث إذاعي من جدة بعد مغرب يوم عرفة يوم الأحد عام 1368هـ - 2-10-1949م، واستهل بثها بتلاوة القرآن الكريم، ثم كلمة افتتاحية من الملك عبدالعزيز ألقاها نيابة عنه الأمير فيصل بن عبدالعزيز، متضمنة الترحيب بالحجاج وتهنئتهم بأداء الفريضة.
ارتبطت الإذاعة الوليدة «بالمديرية العامة للإذاعة»، بعد ذلك ارتبطت الإذاعة بالمديرية العامة للصحافة والنشر. ومن ثم صدر نظام المطبوعات والنشر عام 1378هـ .
في الحقيقة، إن اهتمام الملك عبدالعزيز بالإذاعة يسبق إنشاء الإذاعة السعودية، حيث أنه كان يكلف أشخاص في الديوان الملكي لرصد الأنباء ومتابعة الأحداث، والاطلاع على التحليلات السياسية الخارجية وعمل مواجيز يومية لعرضها عليه. فحسب ما أورده الصحافي المصري محيي الدين رضا في كتابه «في الحجاز» الصادر في القاهرة عام 1354هـ الموافق 1936م : «كان الملك يطلع على الأخبار التي تذاع من الراديو، وأن موظفين مختصين يقومون برصد الأخبار، وذكر أن «إذاعة لندن» كانت تذيع ملخص خطب الملك في الحج».
في الحقيقة، لقد مهد استخدام البرق والهاتف القبول بالمذياع الذي بدأوا الناس يألفوه، وأصبح من الممكن التقاط بث الإذاعات العربية والغربية، وخاصة بث إذاعة هنا لندن وإذاعة القاهرة. واتضح حسب تقرير صادر عن مجلس الشورى عام 1369هـ «أن عدد أجهزة الراديو وصل إلى أكثر من ثلاثة عشر ألف جهاز». كل هذا مهد الطريق لتأسيس الإذاعة السعودية ووضعها في خدمة خطط بناء الدولة وخطط التنمية وتحفيز المواطن على التفاعل والتجاوب مع كل مشاريع البناء والتطوير التي وضعت من أجله.
وقد تم اختيار مدينة جدة مقراً للإذاعة واقتران موعد الافتتاح بموسم الحج، وجعلها في خدمة الأهداف الإسلامية والتثقيفية والإرشادية، وكان ذلك قراراً ينسجم مع مقاصد الملك عبدالعزيز.
إن الملك عبدالعزيز إنسان محلي عالمي في آن واحد، عايش مواطنيه وخاصة التقليديين منهم وتفهمهم وقادهم نحو وحدة فريدة من نوعها. أيضاً عاصر آخرين أجانب من مختلف الأقطار والجنسيات فأبهرهم وجعلهم يرحبون بخطاه وبمشروعه، حتى أن بعضهم وضعوا أنفسهم في خدمته وفي خدمة مشاريعه التنموية.
نعم، لقد رحب الملك عبدالعزيز بالتقنيات التي تُفيد في تحقيق الرقي العلمي والفكري والثقافي، والتي تساهم في توضيح وتسهيل وتسريع خطط التنمية. كان يُحب أن يكون قريباً من مواطنيه مباشرة أو من خلال الصوت والصورة. لم يكن ضد التصوير وضروريته، فقد التقطت له صور في الرياض وفي مكة المكرمة. لقد كان الإمام السلطان الملك عبدالعزيز منفتحاً على كل إيجاب ومفيد، على التقنيات التي ليس فيها ضرر على طبيعة المجتمع المسلم المعتقد والشرقي العادات والتقاليد.
لقد كان تأسيس الإذاعة السعودية، من آخر القرارات الرئيسية التي اتخذها الملك عبدالعزيز قبل وفاته رحمه الله.
ولقد تم للملك الموحد المؤسس ما أراد: أقام دولة كبيرة مترامية الأطراف وحدها بالحب وغرس في الجميع حب الانتماء والولاء، وصار الإعلام متحدثاً عن كل ما يتم داخل الوطن العزيز ومجسداً لصور التلاحم والإخاء والبناء والطموحات والسعي للرقي الدائم.
رحم الله الملك عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته. وحفظ الله ولي أمرنا ملكنا المفدى سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، وعاشت بلادنا وشعبها في أمن وأمان، وعز ورفعة وكرامة.
وكل يوم وطني والجميع بخير وسعادة.
بعض المراجع التي تم الاعتماد عليها في كتابة الموضوع:
- الملك عبدالعزيز والإعلام، للمؤرخ والإعلامي الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي.
- جريدة الجزيرة، 21-7-1434هـ قراءة في كتاب رحلتي إلى الحجاز، للكاتب المصري السيد محيي الدين رضا.
- المجلة العربية، عدد 528 بتاريخ محرم 1442هـ سبتمبر 2020م.
- مواقع نت متعددة.
** **
إعلامي - حالياً مدير إدارة الترجمة برابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة