د. تنيضب الفايدي
ميدان المؤسس الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) حيث استقبله أهالي المدينة المنورة في هذا الميدان، كان يسمى باب العنبرية أحد أهم أبواب المدينة المنورة في السور الثاني الخارجي، إضافةً إلى باب قباء، باب العوالي، باب الشامي، باب الكومة، والميدان له تاريخ عريق حيث يحتوي عدداً من المآثر التاريخية، حيث يطلق على الجزء الغربي منه أرض السقيا، ولها علاقة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمدينة بالبركة في هذا الموقع، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد بأصل الحرة، عند بيوت السقيا، ثم قال: (اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ونبيك ورسولك، أدعوك لأهل المدينة، مثل ما دعاك به إبراهيم لأهل مكة، ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدّهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة... الحديث) رواه أحمد في مسنده. وفيها استعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج معه لغزوة بدر وردّ بعض صغار الصحابة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقي له الماء العذب من بئر السقيا، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقي له الماء العذب من بئر السقيا. وفيه (داخل فناء سكة الحديد) مسجد يسمى مسجد السقيا، وللمسجد ارتباط ببئر السقيا.
ومن مسجد السقيا تبدأ حاجر وتنتهي إلى وادي العقيق (بطول 2 كم تقريباً)، وحاجر عبارة عن صخور سوداء صعبة المسلك ولكن حُبَّها خَالَطَ قلوبَ المحبِّين، وكم ذُكرت حاجر ولا سيما إذا مُطِرَتْ، قال الشاعر:
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْ مَحاجِرَ حَاجِرٍ
وَعَنْ أَثَلاتٍ رَوْضُهُنَّ نَضِيْرُ
وَعَنْ عََذَبَاتِ البَانِ يَلْعَبْنَ بالضُّحَى
عَلَيْهِنَّ كَاسَاتُ النَّسِيْمِ تَدُور
وشارع العنبرية الذي يؤدي إلى ميدان الملك عبدالعزيز وما حوله منطقة سكنية يطلق عليها الأدباء النقا، وتبدأ من جنوب مسجد الغمامة حتى الميدان، وقد ألهمت أسماء أجزاء المدينة المنورة الأدب العربي بكلمات راقية (ولذيذة) ومحرّكة للمشاعر، فعندما يُذْكر النقا تُذكر معه (عِين النقا) وعِين النقا: عِين (بكسر العين) جمع عيناء أي: واسعات الأعين حسانها، وحسن عين الأنثى يعد مجمع الحسن وأعظم الأدلة على جمالها، ولا سيما إذا كانت حوراء (حور عين) والحوراء التي في عينها كَحَلٌ وملاحة وحسن وبهاء.
أما جنوب مسجد الغمامة عند دخول وادي بطحان المدينة القديمة هذه المنطقة تسمى المنحنى، والمنحنى والنقا وحاجر كلمات لها دلالة أدبية تاريخية، لا سيما لدى الشعراء والأدباء حتى أن ذكرها يريح القلوب.
رَوّحِ القلبَ بِذِكْرِ المُنْحَنَى
وأعِدْهُ عندَ سمعي يا أُخَي
لم يَرُقْني مَنْزِلٌ بعدَ النّقَا
لا ولا مُسْتَحْسَنٌ مِنْ بَعدِ مَي
والمواقع المذكورة أي: (المنحنى، والنقا، وحاجر) تكتنف ميدان الملك عبد العزيز رحمه الله.
كما تحيط بالميدان مبانٍ أثرية مثل:
مبنى التراث:
متحف أثري بالمدينة المنورة تأسس في شهر رجب من عام 1419هـ ويقع في ميدان العنبرية في مبنى محطة القطار، يركز المتحف على تاريخ سكة الحجاز، كما يحتوى المتحف أيضا على أوان فخارية، أدوات القهوة، مجموعة من العملات الورقية، أسلحة ومجموعة من الصور الفوتوغرافية القديمة للمدينة المنورة يعود تاريخها إلى عام 1880م، ومكونات البيت المديني.
ثانوية طيبة:
ثانوية طيبة وهو مبنى تاريخي معروف تخرجت أجيال أولى من أبناء طيبة الذين أسهموا في بناء هذا الوطن الغالي، حيث حظوا بشرف الريادة والقيادة والمكانة العلمية الرفيعة في العلوم المختلفة،واهتمام مدرسة ثانوية طيبة يعكس مدى الاهتمام موحد الجزيرة الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) بالعلم والمعرفة وحرصه الشديد لتسليح أبناء طيبة الطيبة بالعلم والمعرفة، وتخرج من الثانوية إلى الجامعات آلاف المهندسين والمعلمين والمتخصصين والأدباء والأطباء، ومنهم أحد عشر وزيراً حتى الآن، وقد مضى على تأسيسها (80) عاماً تقريباً وتعد من أوائل الثانويات في الوطن الغالي، وبنفس المبنى توجد مدرسة تعليم الخط العربي (القلم).
مبنى للتدريب العسكري:
كان هناك من بداية عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مبنى للتدريب العسكري (مبنى الثكنة (القشلة) العسكرية قديماً) وقد أزيلت وحلّ مكانها مبنى لإمارة منطقة المدينة المنورة.
وميدان الملك عبدالعزيز من أهم مداخل المدينة المنورة من الغرب حتى في العصر الحديث، فكل من قدم من مكة أو سافر إليها وكذا المدن الساحلية عليه أن يمر بهذا الميدان.
وفي هذا الميدان استقبل أهل المدينة المنورة مؤسس المملكة العربية السعودية استقبالاً حافلاً بالحفاوة والتكريم، كما أن الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) سكن في نهاية الشارع الممتد إلى الميدان بجوار مسجد الغمامة (بيوت آل الخريجي) ولا تتجاوز المسافة (800م) بين الميدان وإقامة الملك عبدالعزيز.
هذا الميدان يبقى تاريخاً مشرقاً يذكّر بتاريخ مجيد للمؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، هذا البطل العبقري الذي له الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى على كلّ سكان الجزيرة العربية، حيث بدّل الفرقة بالوحدة، والمحاربة بالمحبة، والخوف بالأمن، الفقر بالغنى، والضعف بالمنعة والقوة، بل له الفضل على الأمة الإسلامية كافة، حيث أصبح الوطن الغالي واحة أمن لحجاج بيت الله وزوار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كان الحج من أصعب الأمور حيث الجوع والعطش، وكذا السلب والنهب.