د. محمد بن يحيى الفال
«أيها الإخوة والأخوات...أبنائي وبناتي: لقد تعودتم مني الصراحة، ولذلك بادرتكم بالقول إننا نمر بمرحلة صعبة ضمن ما يمر به العالم كله»، هذا جزء من خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لشعبه والمقيمين على أرض المملكة العربية السعودية على ضوء انتشار جائحة فيروس كورونا الكونية، ولتثبت الحقائق على الأرض لاحقًا حكمته وبُعد نظره -حفظه الله- وذلك مع وضوح خطورة الجائحة التي أثرت وبشكل غير مسبوق على كل نواحي الحياة على كوكب الأرض. التحذير من شراسة الجائحة التي جاءت في الخطاب الملكي شملت كذلك بوادر تفاؤل وكما عُرفت بها شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث أكد -رعاه الله- بأن أزمة الفيروس سوف يتم تجاوزها بالرغم من قسوتها ومرارتها وبأن الحكومة سوف توفر كل إمكاناتها لتجاوزها، وهو الأمر الذي نراه حقيقة ماثلة أمام أعيننا وبلادنا تحتفل بذكرى عزيزة غالية علينا جميعًا وهي ذكري توحيد الوطن علي يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله. شاءت أقدار الله أن تجتاح الجائحة العالم وبلادنا تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين، أكبر تجمع اقتصادي عالمي لدولة الحصة الكبرى في آليات عمل الاقتصاد العالمي، تفشي الجائحة خلال ترؤس بلادنا رئاسة المجموعة أثبت أهليتها لهذا الدور ومقدرتها على تحمل مسؤولياتها الدولية في ظروف غير عادية وغير مسبوقة تواجه العالم بسبب الجائحة. هذه المسؤولية تجاه العالم جاءت واضحة جليلة في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للقمة الافتراضية لمجموعة العشرين، والذي جاء وواضحاً ومباشراً تم التأكيد فيه بأنه ليس هناك من طريق لمواجهة الجائحة والآثار القاسية المترتبة عليها سوى بالتعاون بين الدول للتخفيف من الآثار الكارثية الناتجة عنها على كل مناحي حياة الناس في كل بقاع العالم. وعليه سعت المملكة ومن منطلق إدراكها وتحملها لمسؤولياتها الدولية المُستمدة من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن التعاون الدولي هو الطريق والسبيل الوحيد لتخفيف آثار الجائحة على العالم، بتنظيم عدد من المؤتمرات والندوات وورش العمل والفعاليات الافتراضية في شؤون الصحة، العمل، المال، الاقتصاد والصناعة لأعضاء مجموعة العشرين للتباحث في كل التفاصيل الهادفة على تقليل تأثير الجائحة على اقتصاد العالم.
نجحت إستراتيجية الجمع بين الصراحة والتفاؤل لمواجهة الجائحة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأثبتت للعالم بأن المملكة دولة قيادية تتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها والعالم بكل جدية وتنأى بنفسها عن الجدل الذي لا طائل منه سوى أهداف وقتية ذات خلفيات سياسية لا تراعي مصلحة الأمن والاستقرار الدوليين.
نحتفل بيومنا الوطني وتنقل لنا وسائل الإعلام الدولية كيف أن دولاً عظمى تهاونت في التعامل مع الجائحة من بداياتها الأولى وكانت نتائج ذلك كارثية، وهو الأمر الذي نجحت في تجاوزه المملكة بتوفيق من الله ثم بحكمة ورؤى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. سخر المولى جلت قدرته لبلادنا ومع الجائحة الكونية قيادة تمرست في كل تفاصيل شؤون الحكم ولعقود، وهو ما نراه في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وتجربته في إدارة شؤون الحكم والتي لا نظير لها في عالمنا اليوم والتي انطلقت منذ سنوات التوحيد الأولى لبلادنا، حيث شهد -حفظه الله- وهو شاب ما زال في مقتبل العمر بدايات تأسيس الدولة ومن ثم توحيدها، وشاهد ورأى عن قرب كل المخاطر التي واجهها الملك المؤسس - رحمه الله - من أجل بناء دولة عصرية مؤهلة بأن تكون من دول العالم الرائدة، وهو الأمر الذي تم لها بحمد الله ومنته. تجربة إدارة شؤون الحكم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود نراها واضحة جلية على مستويين أولهما سياسي والآخر إداري، فعلى المستوى السياسي نرى خبرة عميقة متجذرة لن نجد لها مثيل في أي من ساسة عالمنا المعاصر، شاهدت تقلبات وأحداث سياسية عالمية وتتمثل في قربه وتواجده المستمر وباقتدار ومنذ سنوات طفولته الأولى حول صانعي القرار السياسي للمملكة مع الملك الموحد عبدالعزيز مرورًا بالملوك سعود، فيصل، خالد، فهد وعبدالله -رحمهم الله- وجعل ما قدموه لوطنهم وأمتهم العربية والإسلامية في ميزان حسناتهم، خبرته المُدهشة على المستوى الإداري نرى تجلياتها ونتائجها المُذهلة في أكثر من خمسة عقود في حكم العاصمة الرياض والمناطق الإدارية التابعة لها والتي حولت الرياض في أقل من أربعة عقود من مدينة ذات أحياء تعد على أصابع اليد الواحدة إلى أحد كبريات العواصم العالمية وبسرعة تمدد غير مسبوقة لا تنافسها في ذلك أي مدينة في أصقاع عالمنا كافة، وأضحت 12 من محافظة من محافظات منطقة الرياض البالغة 22 محافظة من المحافظات المصنفة من الفئة»أ» بكثافة سكانية عالية وتوفير كامل للخدمات التي يحتاجها قاطنوها والمراكز الإدارية القريبة منها.
تطوير آليات العمل السياسي والإداري للمملكة في عالم كثير التعقيد والمخاطر هو نتاج خبرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والتي شب عليها وتشربها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد، الأمير الشاب الذي أنيطت به مهمة نقل المملكة نحو أفق جديد تكون فيه قادرة على المنافسة والاستمرار في أجواء مُستقرة في عالم يعج بالتقلبات والتحالفات والمخاطر، وأنجز سموه وبسرعة فائقة ملفات ذات أهمية قصوى مثل تمكين المرأة والذي يعد بحق إنجازًا غير مسبوق لسموه وضع المرأة السعودية ولأول مرة في تاريخ المملكة في المسار الصحيح لتكون شريكة للرجل في تنمية ونهضة بلادها، كذلك تم فتح ملف الفساد على مصراعيه ولتطال يد العدالة كل من سولت له نفسه الاستيلاء على المال العام بدون وجه حق، هيكلية الاقتصاد السعودي وتمكينه من المنافسة بتنمية مُستدامة لا تعتمد فقط على سلعة النفط وتكون قادرة على استحداث فرص عمل باستمرار هو من أهم أهداف رؤية المملكة 2030 التي يُشرف سمو ولي العهد على تنفيذها، هيكلية جهاز الاستخبارات السعودية هو أيضاً من الملفات التي أنجزها سموه وبسرعة بعد أحداث مؤسفة.
تحتفل بلادنا بيوم توحيدها في ذكراها التسعين وقد قيد لها الله ملكًا بذاكرة الوطن يحمل همومه وأمانيه وشاهد على ماضية وراسمًا طريقه نحو المزيد من الأمن والاستقرار، وولي عهد قريب من هذه الذاكرة ومُلم بتفاصيلها للمضي بها قدمًا نحو أفق جديد من التقدم والازدهار لوطن غير كل الأوطان شرفه الله بخدمة ورعاية مقدسات مسلمي العالم في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.