محمد آل الشيخ
تركيا أردوغان أبدت مؤخرًا نوعًا من الغزل مع مصر بعد أن اكتشفت أن (البلطجة) السياسية لم تؤدِّ بها إلا إلى التأزمات والعلاقات المتوترة مع أغلب دول العالم. تراجع أردوغان، ومحاولاته غير المباشرة في التقارب مع مصر، تعاملت معهما الحكومة المصرية بحذر، وفي الوقت نفسه بحزم؛ فقد عُرف عن أردوغان في أكثر من موقف أن الثقة بما يقول وما يصرح به أركان نظامه دائمًا محل شك، وأن لديه أجندات سياسية توسعية، تهدف للعودة إلى الماضي، وإحياء الإمبراطورية العثمانية التي ذاق منها العالم الأمرّين؛ فمحاولاته السيطرة على شرق المتوسط، وإثارة صراعاته مع جيرانه، ومع اليونان بشكل خاص، وإرسال قواته إلى ليبيا، وتوقيع اتفاقية تقسيم المياه البحرية معها، متجاوزًا جزيرة (كريت) اليونانية، تفضح الغايات التوسعية التي يحلم بها الرجل. غير أن هذه الطموحات جعلت أغلب الدول الأوروبية، وتحديدًا اليونان وفرنسا، وخلفهما الاتحاد الأوروبي، تتعامل معه بحزم، وصل إلى التلويح باستخدام القوة. وغني عن القول إن من الغباء التخاصم مع ثلاث دول أوروبية، هي (اليونان وفرنسا وقبرص) وخلفها الاتحاد الأوروبي، أضف إلى ذلك خصومته مع مصر وإسرائيل، فضلاً عن عداوته للمملكة والإمارات والبحرين، وأخيرًا الهند. مثل هذه العداوات ستقف عائقًا أمامه لتحقيق أي تقدم لطموحاته، ولاسيما أن أوضاعه الاقتصادية في تدهور مستمر، خاصة أن تركيا تنوء بديون مليارية من الدولارات، أغلبها لبنوك أوروبية. كل هذه العوامل الموضوعية جعلته يواجه مشاكل اقتصادية وسياسية عويصة، تكالبت عليه من كل حدب وصوب؛ وهو ما جعله ينتهي إلى التراجع، أو لعلها هزيمة أولى لمشروعه.
ومن الطبيعي أن تعثُّر مشروع أردوغان يمتد لوضعه في الداخل، وتدهور شعبيته. صحيح أنه طوال سنوات حكمه في الماضي نجح في أن يزاوج بين القومية التركية والأصولية الإسلاموية، ولا بد من الاعتراف بأنه حقق قدرًا كبيرًا من النجاح، إلا أن فشله الاقتصادي وتدهور سعر الليرة أضعفا كثيرًا من موقفه، فلو استمر الأوروبيون في إقرار عقوبات اقتصادية أكثر، وواصل أردوغان الإصرار على مشروعه التوسعي، فسيجعل كثيرًا من الأحزاب التركية المتحالفة معه تتخلى عنه، وتقلب له ظهر المجن، وتنتقل من موقع الموالاة لسياساته إلى موقع المعارضة.
مشكلة أردوغان أن توجهاته ومبررات ما يهدف إليه يستمدها من الماضي، ويحاول في كل تحركاته السياسية أن يخضع المستقبل للماضي، ويصر - كما هم الماضويون - على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، غير آبه بأن التاريخ هو دائمًا في حركة دؤوبة إلى الأمام، أما أصحاب الرقاب المعوجة إلى الوراء فلن يحققوا إلا الفشل والتخلف والإفلاس. والأمثلة على ذلك كثيرة، لعل أوضحها عجز حلفائه الإخوان المسلمين في حكم مصر.
عداوات أردوغان، وتفاقم أوضاعه الاقتصادية، وتوسع التذمر منه داخل تركيا، ستجعل كل مشاريعه حتمًا تؤول إلى الفشل، خاصة أن (شرق أوسط) جديدًا قد انبثق فجره بتوقيع اتفاقيات السلام الإماراتية البحرينية مع إسرائيل، ولم يكن للحركات المتأسلمة ولا لتركيا أردوغان أي دور جوهري فيه.
إلى اللقاء.