د.رفعة بنت عبدالله الدوسري
في ظل ما يشهده العالم من اختلاف في القيم وقواعد السلوك وتنامي العنف وتفكك العلاقات، زادت أهمية القيم ودور التربية في تشكيلها، فهي التي تحكم سلوك الإنسان وشخصيته، وتعمل على تحقيق التماسك الاجتماعي وتمكن المجتمع من بناء هويته وكيانه. ويعتمد مستقبل أي مجتمع بشكل كبير على مدى امتلاك أفراده للقيم وخصوصاً قيم المواطنة، والذي قد يفوق امتلاكه للتكنولوجيا، وفي هذا السياق يشير تحليل الثقافات والتشكيل الاجتماعي للشخصية الإنسانية إلى أن القيم تؤثر في أدق وظائف الثقافة ابتداء من استعمالات التكنولوجيا حتى متطلبات الأداء الوظيفي والمشاركة المجتمعية.
لقد تعددت الآراء حول مفهوم المواطنة، فمنهم من رأى أنها المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، ومنهم من رأى أنها إيجاد المواطن الصالح، وآخرون يرون أنها رديف الديمقراطية. والجدير بالذكر، وفق ما ذهب إليه كثير من المختصين أن مصطلح المواطنة مصطلح حديث وهي ترجمة لمصطلح Citizenship ويقصد به غرس السلوك الاجتماعي المرغوب حسب قيم المجتمع، من أجل إيجاد المواطن الصالح. والمواطنة في اللغة العربية منسوبة إلى الوطن وهو المنزل الذي يقيم فيه الإنسان والجمع أوطان، يقال وطن بالمكان وأوطن به أي أقام به وأوطنه اتخذه وطناً. وعرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنها: «علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة».
وتعد قيم المواطنة مجموعة من القيم، تعكس مدى ارتباط الفرد بوطنه وتسهم في إعداده ليكون مواطناً صالحاً يسلك السلوك الذي يرتقي بالمجتمع، ومن أهمها، الأمانة والمساواة والتسامح والعدل والحرية والمشاركة والمسؤولية الاجتماعية والاحترام وحب الوطن والانتماء. ولاشك أن تشكيل قيم المواطنة مسؤولية يجب أن تعنى بها جميع المؤسسات التربوية النظامية وغير النظامية.
وعلى رأس هذه المؤسسات، الأسرة، حيث تعد اللبنة الأساسية في بناء أي مجتمع، والمصدر الأول والأساسي في تعليم الأبناء العادات والقيم، ويتحقق دور الأسرة في تنمية قيم المواطنة من خلال: تنشئة الأبناء على القيم الإسلامية مثل قيم الإخاء والتسامح والتعاون والاحترام الانتماء والعدل، وتقديم القدوة الحسنة للأبناء من خلال السلوكيات الإيجابية نحو الوطن، مع الحرص على عدم المبالغة في انتقاد المجتمع، كذلك من خلال توجيه الأبناء إلى المحافظة على سلامة ونظافة الممتلكات العامة كالحدائق والشوارع، وتبصيرهم بتاريخ وتراث الوطن وتعريفهم بالشخصيات الوطنية وجهودهم المبذولة في بناء الوطن، وأيضاً تشجيع الأبناء على تحمل المسؤولية وحثهم على المشاركة في الأعمال التي تساهم في بناء الوطن.
والمدرسة بوصفها مؤسسة تربوية وتعليمية يمكن تلخيص دورها في تعزيز قيم المواطنة من خلال: تنمية الاتجاهات والمهارات التي تمكن الطالب من المساهمة في حياة الجماعة مثل تحمل المسؤولية والتعاون واحترام الآخرين والولاء للجماعة وحسن استخدام المرافق العامة والمحافظة عليها عن طريق إشراك الطلاب في ألوان النشاط المختلفة، وزيادة وعي الطلاب بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وترسيخ الاعتزاز بالوطن خلال ربط الطالب بتاريخه، وتشجيع الطلاب على المشاركة في المناسبات والاحتفالات الوطنية، وتعويد الطلاب على إبداء الرأي والحوار والمناقشة واتخاذ القرار.
وفي ظل الانفتاح المعرفي والتطور التكنولوجي، يتعاظم دور وسائل الإعلام المختلفة في تعزيز قيم المواطنة حيث تعتبر وسائل الإعلام، كالإذاعة والتلفاز، والكتب والمجلات والصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي من أهم المؤسسات الاجتماعية وأخطرها في عملية التنشئة الاجتماعية، بما تحمله من مثيرات جذابة، ومؤثرات فاعلة، وبما تتضمنه من معلومات وخبرات وسلوكيات تقدّمها عبر أحداثها وشخصياتها. وفي ظل مفهوم المواطنة الرقمية تأتي شبكات التواصل الاجتماعي كمحطات لتعميق القيمة المضافة لها في رقي الوطن وتحقيق غاياته وتنمية موارده وتوجيهها.
ومما يزيد من أهمية وسائل الإعلام أن التربية المدرسية نفسها أصبحت في كثير من دول العالم تعتمد عليها في تنفيذ كثير من برامجها، ولاشك أنه عندما تتكامل جميع المؤسسات التربوية في تعزيز قيم المواطنة لدى الأفراد، فإنها تضع الخطوات الصحيحة لبناء الوطن.
** **
- دكتوراه في فلسفة التربية