تظل ذكرى اليوم الوطني حاضرة في عقول وقلوب أبناء المملكة العربية السعودية، نستحضر من خلالها مسيرة كفاح وعطاء ونماء واستقرار، شهدت انطلاقتها الأولى على يد الملك المؤسس الذى قضى أكثر من أربعين عاما ًيعمل على ترسيخ قواعد دولة ذات قيمة وقامة، باتت - بفضل من الله ثم بجهود وحكمة أبنائه البررة من قادة المملكة على مدى نحو خمسين عاماً - باتت منارة للاعتدال والأمن والسلام الاجتماعي والازدهار الاقتصادي وسط عالم يموج بالاضطرابات والقلاقل. واليوم يحق لنا جميعاً أن نعتز ونفخر بما حققته بلادنا على الصعد كافة، بدءاً بما تمتلكه من منظومة مؤسسات تؤدي مسئولياتها في تناغم وتكامل يجسد عمق وثراء تجربتها، تلك المنظومة المتمثلة في السلطات التنظيمية التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني ،التي تتسابق للنهوض بأدوارها بدعم وتوجيه من القيادة الرشيدة. ونحن في مجلس الشورى نستحضر هذه المناسبة الغالية بكل اعتزاز، حيث عاشت المملكة العربية السعودية ومازالت تعيش- ولله الحمد- عمق وثراء الممارسة الشورية، التي تعد من أقدم التجارب في المنطقة حيث تجاوز عمرها أكثر من 96 عاماً منذ انعقاد أولى جلسات مجلس الشورى التي تشكلت في بداياتها مع دخول الملك المؤسس عبدالعزيزبن عبدالرحمن طيب الله ثراه إلى مكة المكرمة، وهي المناسبة التي رسخت قواعد التجربة من خلال إشراك الخبرات و الكفاءات الوطنية والاستئناس بالآراء المتخصصة بما تمثله من تنوع علمي ومعرفي، من شأنه أن يسهم في صناعة القرار، وممارسة الدور التشريعي والرقابي. وعلى مدى تسعة عقود تواصلت خطوات التطوير للممارسة الشورية ، حيث تم تحديث وتطوير نظام الشورى في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله – عام 1412هـ، حيث حددت فترة الدورة الواحدة بأربع سنوات، وبدأ المجلس بستين عضواً بالتعيين يختارهم ولي الأمر، وحالياً وصل العدد إلى مئة وخمسين عضواً، ومرت تجربة المجلس بعد تحديثه.. منذ دورته الأولى، حتى دورته السابعة الحالية بوثبات مشهودة في إطار الزخم الكبير من الإصلاحات التي تشهدها المملكة في المرحلة الراهنة بتوجيه ودعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله -، ومتابعة حثيثة من ولي عهده الأمين الأميرمحمد بن سلمان حفظه الله، فقد استطاع المجلس أن يكون شريكاً فاعلاً في صنع حاضر مستقر ومستقبل مشرق للوطن بتفاعله المتنامي مع نبض المواطن، وبمواكبته السريعة لكافة التشريعات التي تسهم في توفير أفضل مستوى ممكن من الحياة والاستقرار، حيث حظيت قراراته بدعم القيادة وبتقدير ملموس من كافة القطاعات ذات العلاقة، ويمكننا القول إن مجلس الشورى اضطلع - في هذا العهد الميمون -بدور كبير في تعزيز العلاقات الخارجية للمملكة وداعم للدور المهم الذي تقوم به وزارة الخارجية في هذا المجال، وعمل المجلس من خلال دبلوماسيته البرلمانية على تأكيد حضور المملكة الإيجابي في المحافل والمنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية، الامر الذي أسهم في دعم سبل التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتنسيق التعاون وبيان مواقف المملكة تجاه القضايا التي تهم المملكة والعالمين العربي والإسلامي مع العشرات من دول العالم في إطار نهج المملكة ومكانتها المؤثرة في المجتمع الدولي وتميزها في الحفاظ على مبادئ التعايش السلمي، ودعم القضايا الإنسانية والإسلامية والعربية. وعلى صعيد آخر عمل المجلس – خلال الدورة الحالية - على تحقيق تطلعات القيادة والمواطن في المشاركة المُثلى في صناعة القرار، وتهيئة البيئة المناسبة لدراسته وقراءة المشهد من جوانبه المتعددة، كما ناقش المجلس عدداً من ملفات الشأن العام كالصحة والتعليم والأمن والاقتصاد والإسكان والنقل والطاقة، واستقبل العديد من العرائض والمقترحات، وأتاح منصاته الإعلامية لمبادرات واقتراحات المواطنين التي تمت دراستها واتخاذ ما يلزم من قرارات حيالها، وفي إطارالصلاحيات الرقابية للمجلس تم تدارس عدد من تقارير أداء الوزارات والأجهزة الحكومية، واستضاف عدداً من المسؤولين ومتخذي القرارفي تلك الجهات للمناقشة والاستيضاح، كما قامت وفود من المجلس ولجانه بزيارة عدد من مناطق ومدن المملكة للاطلاع عن كثب على احتياجات المناطق والمواطنين فيها ومحاولة وضع التوصيات وإصدارالقرارات من المجلس بما يكفل تحقيق التنمية المتوازنة وذلك عند مناقشة تقارير الأداء السنوية للأجهزة الحكومية تحت قبة الشورى وفي أروقة لجانه المتخصصة . وبمباركة كريمة من القيادة، ساهم المجلس وفقاً لرؤية وسياسة المملكة في محاربة الفقر والبطالة والفساد، ودعم جهود مؤسسات الدولة فيما من شأنه تحقيق العدل والرفاهية المجتمعية، وحتى هذه الفترة من هذه الدورة تمكن المجلس من إنجاز 1026 قرارا، كما عقد المجلس العديد من الجلسات العامة واجتماعا ت اللجان والزيارات البرلمانية، متجاوزاً بفضل من الله انعكاسات أزمة فايروس (كوفيد19)، التي اجتاحت دول العالم، وذلك من خلال مواصلة جلساته وعقد لجانه عن بعد، والعمل على إنهاء كافة الموضوعات والملفات المدرجة في جداول أعماله. إن المملكة وهي تسير في خطواتها المطردة نحو التطور في منظومة الخدمات وتوفير أفضل مستويات المعيشة الممكنة للمواطن تبنت العديد من خطط التنمية المستدامة، حققت ولازالت نتائج غير مسبوقة على كافة الصعد، الاقتصادية، والتعليمية، والصحية والصناعية، والزراعية، أو الطرق والمواصلات، أو الإسكان والتعمير، وبناء قوات مسلحة قوية تحمي الوطن ومكتسباته. إن المملكة وهي تسير بخطى مطردة نحو رؤيتها المستقبلية 2030، لتستند إلى إرث سياسي ودبلوماسي حافل بالمنجزات الإقليمية والدولية، فالمملكة بثقلها العربي والإسلامي هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين والتي سوف تستضيف قمتها القادمة بإذن الله (القمة الخامسة عشرة للمجموعة) ولقد دأبت المملكة منذ نشأتها على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- إلى جمع الكلمة ونبذ العنف وتحقيق السلم الاجتماعي والتعاون الدولي، هذا إلى جانب جهودها الحثيثة في محاربة الفقر والبطالة ومساعيها الدؤوبة في مكافحة ظاهرة الإرهاب التي ساهمت المملكة وبشكل كبير في الحد منه واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه. إن المواطن السعودي اليوم وهو ينعم بمكتسبات هذه الملحمة التاريخية والوحدة الوطنية ليدرك قيمة هذه التحولات التي تواكبت مع معطيات العصر ومتطلبات المرحلة وحرص القيادة الرشيدة على توفير أسباب سبل الحياة الكريمة للمواطن في شتى المجالات. إنها مناسبة تستدعي منّا جميعا رفع أخلص الدعاء وآيات الشكروالثناء لله سبحانه وتعالى على ما منّ على بلادنا من نعم الأمن والرخاء، وهي فرصة نجدد فيها دعواتنا الصادقة لله سبحانه أن يديم على هذه البلاد الطيبة ومواطنيها الاستقرار والازدهار، وأن يبارك في قيادتها ويعينهم على تحقيق ما من شأنه خدمة الدين والوطن والمواطن، ويشرف مجلس الشورى وهو يعيش هذه المناسبة الغالية أن يجدد العهد على أداء رسالته نحو الوطن والمواطن، كما يرفع آيات التهاني والتبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيزوسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ولكافة أبناء هذاالوطن المعطاء داعين الله جلت قدرته أن يحفظ لهذه البلاد المباركة أمنها ورخاءها وعزها.