«الجزيرة» - عبدالله الرفيدي:
بعد المكاسب الجيدة التي سجلتها أسعار النفط على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، تحولت اتجاهات الأسعار مجدداً نحو التراجع على خلفية تأخر تعافي الطلب الناتج عن تداعيات جائحة كوفيد19-. حيث تم تداول النفط دون مستوى 40 دولاراً أمريكياً للبرميل للمرة الأولى منذ الأسبوع الأخير من يونيو 2020 مما يعكس أيضاً بوادر انتعاش إنتاج النفط الصخري الأمريكي. ولم تكن أيضاً البيانات الاقتصادية الصادرة عن بعض أكبر مستهلكي النفط واعدة على صعيد نمو الطلب، بما في ذلك الهند التي شهدت حتى الآن مستويات تعافي أضعف من المتوقع فيما يتعلق بالطلب على النفط واستهلاكه. وحسب تقرير كامكو إنفست حول أداء أسواق النفط العالمية سبتمبر 2020.
وتمثلت بارقة الأمل الوحيدة في الانتعاش الاقتصادي من الصين التي أظهرت نموا واعداً لمبيعات التجزئة بالإضافة إلى متطلباتها النفطية. وأظهرت أحدث البيانات الصادرة من الصين تعافيها بالكامل من ركود الطلب على النفط، حيث أظهرت بيانات شهر أغسطس نمو الطلب بنسبة 9.9 في المائة، ليصل إلى 13.51 مليون برميل يومياً بينما ارتفع معدل الطلب منذ بداية العام 2020 حتى تاريخه بنسبة 3.3 في المائة ليصل في المتوسط إلى 12.54 مليون برميل يومياً. إلا أن تباطؤ وعدم تكافؤ وتيرة انتعاش معظم الاقتصادات في كافة أنحاء العالم يلقي بظلاله على إمكانية تعافي الصين حيث تبدو الأوضاع ضبابية على المدى القريب. وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن وتيرة شراء الصين للنفط قد شهدت تباطؤاً حاداً كما يتضح من عمليات التسليم لشهري سبتمبر وأكتوبر 2020.
وفي أحدث تقرير شهري صادر عن الأوبك، قامت المنظمة مجدداً بخفض توقعاتها للطلب على النفط للعام 2020 بمقدار 0.4 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى استمرار ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 مما يؤثر سلباً على تعافي الطلب على النفط. وأيدت وكالة الطاقة الدولية ذلك الرأي، حيث خفضت توقعاتها للطلب على النفط بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً. وأشارت وكالة الطاقة الدولية أنها تتوقع تباطؤ تعافي الطلب على النفط خلال النصف الثاني من العام 2020 نتيجة لتأخر الانتعاش الاقتصادي، وضعف أداء قطاع الطيران، ومخاطر حدوث الموجة الثانية من جائحة كوفيد-19 كما شهدنا في أوروبا وإمكانية فرض القيود على التنقل من خلال تدابير الإغلاق المحلي والعمل عن بعد.كما أبرزت وكالة الطاقة الدولية أيضاً الدور الذي يلعبه ضعف هوامش المصافي في الوقت الحالي والمتوقع في المستقبل وأثر ذلك في العدول عن شراء النفط، ونتيجة لذلك يسعى تجار النفط لاستئجار السفن لتخزينه. كما قامت الوكالة بتسليط الضوء على تأثير العمل عن بعد، وخفضت توقعاتها للطلب على البنزين بمقدار 450 ألف برميل يومياً والطلب على الديزل بمقدار 260 ألف برميل يومياً في الربع الرابع من العام 2020.
أما على صعيد العرض، رفعت الأوبك معدلات الإنتاج للشهر الثاني على التوالي بمقدار 550 ألف برميل يومياً نتيجة لقيام أغلبية الأعضاء بزيادة إنتاجهم. إلا أن معدل الامتثال العام لاتفاقية الأوبك بلغ 97 في المائة وذلك وفقا لوكالة الطاقة الدولية، حيث عوض بعض المنتجين عدم التزامهم في فترات سابقة عن طريق خفض الإنتاج. من جهة أخرى، عادت مستويات إنتاج النفط في الولايات المتحدة مرة أخرى فوق مستوى 10 مليون برميل يومياً في الأسبوع المنتهي في 4 سبتمبر 2020، لتسجل بذلك مكاسب أسبوعية قدرها 300 ألف برميل يومياً. إلا أنه من المتوقع أن يتعثر الإنتاج مرة أخرى نتيجة لاقتراب إعصار سالي هذا الأسبوع والذي سيؤثر على حوالي 21 في المائة من إنتاج خليج المكسيك. وانعكس ارتفاع الإنتاج في بيانات مخزون النفط للولايات المتحدة، حيث أعلنت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية عن تسجيل أول زيادة أسبوعية لمخزون الخام الأمريكي منذ 7 أسابيع، بزيادة تخطت المليوني برميل.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط:
بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أعلى المستويات المسجلة في ستة أشهر بنهاية أغسطس 2020، تراجعت أسعار العقود الفورية على مدار أسبوعين متتاليين في سبتمبر 2020 نتيجة للمخاوف المتعلقة بتعافي الطلب على النفط خلال الفترة المتبقية من العام الحالي وفي العام 2021. وكان لإعصار سالي الذي يهدد الولايات المتحدة تأثيراً ضئيلاً على أسعار النفط، حيث أدى ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19، خاصة في أوروبا، إلى التأثير سلباً على معنويات السوق. واخترقت أسعار خام الأوبك مستوى 46 دولاراً أمريكياً للبرميل في اليوم الأخير من شهر أغسطس لكنها خسرت منذ ذلك الحين 14 في المائة من قيمتها وتراجعت إلى ما دون حاجز 40 دولاراً أمريكياً للبرميل. كما تراجعت أسعار مزيج خام برنت أيضا دون مستوى 40 دولاراً أمريكياً للبرميل في الأسبوع الثاني من سبتمبر 2020. إلا أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية رفعت توقعاتها هامشياً للأسعار الفورية للعام 2020 لمزيج خام برنت إلى 41.9 دولار أمريكي للبرميل ولخام غرب تكساس الوسيط إلى 38.99 دولار أمريكي للبرميل. أما بالنسبة للعام المقبل، فقد انخفض متوسط السعر المتوقع إلى 49.07 دولار أمريكي للبرميل لمزيج خام برنت، في حين تم خفض توقعات سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 45.07 دولارا أمريكيا للبرميل.
وفي ذات الوقت، ظهرت بوادر الانتعاش على إنتاج النفط الصخري الأمريكي مما عزز من تراجع أسعار النفط. ووفقاً للبيانات الأسبوعية، بلغ إنتاج الخام الأمريكي 10 مليون برميل يومياً خلال الأسبوع المنتهي في 4 سبتمبر 2020 . وأظهرت البيانات الأسبوعية الصادرة عن بيكر هيوز زيادة عدد منصات التنقيب عن النفط بواقع منصة واحدة في الولايات المتحدة ليصل العدد إلى 181 منصة في الأسبوع المنتهي في 4 سبتمبر2020 . ووفقا للبيانات الصادرة عن شركة استشارات الطاقة ريستاد انرجي، تعزى زيادة الإنتاج بصفة رئيسية للإنتاج من الآبار التي تم حفرها، إلا أنها لم يتم الانتهاء منها بالكامل بعد. كما سلط التقرير الأضواء على مرونة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة موضحاً أن حوض برميان، مركز إنتاج النفط الصخري، لا يزال بإمكانه مواصلة الإنتاج لمدة 13 شهراً بنفس وتيرة الشهر الماضي. وأضاف التقرير أنه حتى لو توقفت عمليات الحفر في الحوض بشكل كامل، فإن إنتاجه قد يستمر حتى النصف الأول من العام المقبل قبل أن يتطلب الأمر إجراء عمليات حفر.
الطلب على النفط
عكس أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأوبك لتقدير الطلب العالمي على النفط مجدداً استمرار حالة عدم اليقين الناتجة عن تزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 وتأثير ذلك على انتعاش الطلب على النفط. حيث خفضت الأوبك مرة أخرى توقعات الطلب للعام 2020 إلى 90.23 مليون برميل يومياً مقابل 90.63 مليون برميل يومياً وفقاً لتوقعاتها السابقة، ومن المتوقع الآن أن ينكمش الطلب العالمي على النفط بمقدار 9.5 مليون برميل يومياً مقابل تراجعه بواقع 9.1 مليون برميل يومياً في التوقعات السابقة. وعكست المراجعة في المقام الأول توقعات انخفاض الطلب للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وخاصة الهند، وهو الأمر الذي يتوقع له أن يمتد حتى النصف الأول من العام 2021 .
من جهة أخرى، تم رفع تقديرات الطلب لمنطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً ليصل إلى 42.9 مليون برميل يومياً مما يعكس انخفاضا أقل من المتوقع في الطلب في جميع المناطق الفرعية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الربع الثاني من العام 2020. إلا أنه على الرغم من ذلك، ذكر التقرير أن الطلب من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سوف يتأثر بالتعافي البطيء لمتطلبات وقود النقل. وضمن الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أظهرت الدول الأمريكية التابعة للمنظمة انخفاضاً أقل من المتوقع في الطلب بصدارة استقرار متطلبات المواد البتروكيماوية الخام في حين كان تجديد مخزون وقود التدفئة ثابتاً بالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مما ساهم في تعزيز الطلب في المنطقة.كما أظهرت منطقة آسيا والمحيط الهادئ التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اتجاهات إيجابية للطلب حيث شهدت كوريا الجنوبية ارتفاعاً في الطلب في الربع الثاني من العام 2020 نتيجة لزيادة النشاط الصناعي مما أدى إلى زيادة متطلبات الديزل والمواد البتروكيماوية الخام. وتأثرت تقديرات الطلب على النفط للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بانتعاش الطلب بمعدلات أقل من المتوقع في الهند وإندونيسيا وتايلاند والفلبين والذي قابله جزئياً ارتفاع الطلب القادم من الصين خلال الربع الثاني من العام 2020.
كما تم خفض تقديرات الطلب للعام 2021 بمقدار 0.4 مليون برميل يومياً ومن المتوقع الآن أن يرتفع الطلب بمقدار 6.6 مليون برميل يومياً ليصل إلى 96.9 مليون برميل يومياً. ويعكس خفض تقديرات نمو الطلب للعام 2021 ارتفاع متطلبات مواد التقطير الخفيفة والديزل بفضل تحسن النشاط الصناعي في حين سيساهم قطاع البتروكيماويات في تعزيز نمو الطلب في الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن يقابل هذا التحسن في معدلات الطلب زيادة كفاءة الوقود ضمن قطاع النقل وبرامج استخدام سبل بديلة للنفط على مستوى قطاع توليد الطاقة وسياسات خفض الدعم.
عرض النفط:
ارتفع الإنتاج العالمي من السوائل النفطية للشهر الثاني على التوالي خلال شهر أغسطس 2020 بمقدار 1.32 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 89.88 مليون برميل يومياً. وجاءت تلك الزيادة نتيجة ارتفاع إنتاج الدول الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة الأوبك من السوائل النفطية وسوائل الغاز الطبيعي. حيث ارتفعت معدلات الإنتاج من خارج الأوبك بمقدار 0.56 مليون برميل يومياً على أساس شهري وصولاً إلى 65.83 مليون برميل يومياً فيما يعزى بصفة رئيسية لزيادة الإنتاج في روسيا وكندا. إلا أن تزايد إنتاج الأوبك نسبياً في أغسطس 2020 أدى إلى زيادة حصة المجموعة بمقدار 50 نقطة أساس، ليصل إلى 26.8 في المائة خلال الشهر.
وتمت مراجعة تقديرات المعروض النفطي من خارج منظمة الأوبك للعام 2020 ورفعها بواقع 360 ألف برميل يومياً مما يعكس نمو الإنتاج بمستويات أعلى من المتوقع في الولايات المتحدة خلال يونيو 2020 بنحو 1 مليون برميل يومياً بدعم من زيادة الإنتاج في تكساس. ونتيجة لذلك، من المتوقع الآن أن تتراجع الإمدادات من خارج الأوبك بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً في العام 2020 لتصل إلى 62.5 مليون برميل يومياً في المتوسط. ووفقا للتقرير، من المتوقع أن ينتعش العرض من خارج الأوبك تدريجياً بمقدار 0.2 مليون برميل يومياً في الربع الثالث من العام 2020 وبمقدار 0.7 مليون يومياً في الربع الرابع من العام 2020. وتم تعديل تقديرات المعروض النفطي للولايات المتحدة للعام 2020 بالكامل ورفعه بمقدار 360 ألف برميل يومياً، تليها الصين والبرازيل بمقدار 36 ألف برميل يومياً و35 ألف برميل يومياً. كما تم رفع تقديرات الإمدادات الخاصة بكلا من عمان وكازاخستان بإجمالي قدره 37 ألف برميل يومياً، بينما تم خفض تقديرات كل من تايلاند والهند وكندا وكولومبيا وغانا بشكل جماعي بمقدار 95 ألف برميل يومياً.
كما تم رفع تقديرات نمو الإمدادات من خارج الأوبك للعام 2021 بمقدار 371 ألف برميل يومياً، ويتوقع الآن أن يصل المعروض النفطي إلى 63.47 مليون برميل يومياً، ليسجل بذلك نموا سنويا قدره 1 مليون برميل يومياً.
ارتفع إنتاج الأوبك من النفط للشهر الثاني على التوالي في أغسطس 2020 بإضافة 550 ألف برميل في يومياً ليصل إنتاجها في المتوسط إلى 23.94 مليون برميل يومياً، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج. أما وفقاً لمصادر الأوبك الثانوية، فقد كان إنتاج المجموعة أعلى بقليل، حيث وصل إلى 24.05 مليون برميل يومياً. وتعزى الزيادة الشهرية في الإنتاج مرة أخرى بصفة رئيسية إلى ارتفاع إنتاج السعودية وبدعم أيضاً من زيادة الإنتاج من الإمارات والكويت. وساهمت تلك الزيادات هامشيا في تعويض انخفاض إنتاج نيجيريا بمقدار 110 ألف برميل يومياً في إطار امتثالها لقيود خفض الإنتاج المفروضة من قبل الأوبك وحلفائها. كما خفض العراق إنتاجه لنفس السبب وأنتج 3.72 مليون برميل يومياً في أغسطس 2020، بانخفاض قدره 70 ألف برميل يومياً. في حين زادت الجزائر وأنجولا أيضاً معدلات الإنتاج خلال الشهر بإضافة 130 ألف برميل يومياً لمتوسط الإنتاج الشهري لمنظمة الأوبك.