حمد بن عبدالله القاضي
«وريقة صغيرة» هي رسالة بالغة التأثير صادقة التعبير كانت خاصة قبل السماح بنشرها كتبها أخي العزيز د.محمد العلم الأستاذ الجامعي ووكيل جامعة الإمام محمد بن سعود السابق دوَّن فيها معاناته وتطلعاته خلال دراسته الجامعية واحتفظ بها، فهي تمثل له ذكرى عزيزة تجاوز فيها صعوبات دراسته حتى نال الشهادة الجامعية و«لغلائها» عنده احتفظ بها.
***
ولهذه الرسالة قصة طرفاها: وفاء ثم شجن.
عند سفر الأخ الأكبر لأمريكا لاستكمال دراسته العليا وبالمطار أعطى شقيقه الأصغر فهد الذي كان في وداعه مفكرته الخاصة بعد أن أفرغ محتوياتها منها.
وبعد سفره فتح فهد المفكرة ووجد فيها هذه الوريقة حيث كانت مختفية بأحد جيوب المفكرة لصغرها فبقيت فيها.. ولفتت انتباه أخيه الصغير فهد فنزع دبابيسها وفتحها وقرأها وتأثَّر بها فهي حكت ما مرَّ به شقيقه الأكبر.
وأضحت هذه الورقة لشقيقه «صارية ضوء» بسنوات دراسته وعندما عاد الشقيق الكبير من أمريكا حاملاً شهادة الدكتوراه وإذا بأخيه الصغير يهديه لوحة جميلة طرَّز وسطها هذه «الوريقة الصغيرة» التي وجدها بمحفظة أخيه الكبير التي كان لها أثر بمسار دراسته وتخرجه.
***
لقد اطلعت على هذه الرسالة وقد أخرجها أخوه العزيز د.محمد بعد رحيل من وُجهت إليه أخيه فهد رحمه الله بحادث سير متذكراً له ومستعيداً ذكراه ولتكون سبباً للدعاء له.
***
وهذا نص هذه الورقة وهي بصدقها وتوهُّج المشاعر بين ضفاف سطورها أبلغ من أي «صداق» أقدمه بين يدي حروفها.
***
«قبل أن أصعد إلى الطائرة في طريقي إلى أمريكا للدراسة أعطيت شقيقي الأصغر (فهد) محفظتي بعد تخلصي من ما بها.
بعد أيام تفقد فهد ما بداخل المحفظة ووجد بداخل أحد جيوبها ورقة مطوية عدة مرات ومدبسة بإحكام كنت قد كتبتها أثناء دراستي الجامعية بخط صغير جداً ورصدت فيها بعض معاناتي ومغامراتي وهمومي وتطلعاتي ومن شدة حرصي عليها قمت بطيها عدة مرات ودبستها من جميع جوانبها وأخفيتها بالمحفظة.
عندما وجدها فهد علم من طريقتي في طيها أن بها معلومات مهمة ففككها بحرص وقرأها وتأثر بما ورد فيها خصوصاً أنه يرى كاتبها يسافر ليبدأ معاناة جديدة في الغربة.. لم يخبرني في أي تواصل معه عنها وعندما تخرجت وعدت إلى المملكة أهديته نسخة فاخرة من رسالتي للدكتوراه التي حمل إهداؤها اسمه.
فوجئت بأنه أيضاً قد أعد لي هدية خاصة فإذا به يحمل ظرفاً فاخراً وبداخله برواز حسبت أنه صورة قديمة لي فإذا بداخله تلك الورقة مغلفة ومبروزة!
سألني: هل تذكر هذه الورقة؟
قرأتها وسألته: أين وجدتها؟
فقال عندما ودعتك في المطار!
قلت: نعم أتذكرها ونسيت أين احتفظت بها وصدقني يا فهد أن فرحتي بهذه الهدية تعدل فرحتي بنيل الدكتوراه إن لم تزد عنها.
***
وبعد عام من هذا الموقف السعيد فجعت بوفاة فهد -رحمه الله- في حادث مروري. ووفاءً له وبراً به حججت عنه مرتين وبينت له مسجداً واعتمرت عنه مراراً وما زلت أدعو له في كل سجدة أسجدها لله.. وإحياء لذكره أسميت أول ابن رزقت به بعد وفاته باسمه فرحم الله (فهداً) وحفظ سميّه».
***
وبعد
إن هذه الورقة وقصة الاحتفاظ بها والعثور عليها أنموذج للحب والبر والوفاء بين شقيقين يرسم صورة لأثر التوجيه وجمال التواصل وزرع المودة بين الأقارب وبخاصة بين الإخوة والإخوات.
***
=2=
** قافية وفاء:
«أخوك الذي لا يَنقض الدهر عهده
ولا عندَ صرْفِ الدهرِ يزوَرُّ جانبُه»