بعثرة
ذات يوم في الفسحة المدرسية كنت ألوح بخمسة ريالات لمن تقف خلف النافذة علها تراني بعد أن تجاوزت الحشود المختلفة من الأعمار والأحجام.
تسألني ماذا أريد؟!
أحاول أن أقف على أطراف أصابعي لأرى ما تحمله تلك العلب، الوقت يضيق، والتدافع يزداد، شعرت بالاختناق صرخت اختاري لي! قبضت بكلتا يداي الصغيرتين على ما ناولتني إياه ضممتها على صدري لكني، خرجت من ذلك الازدحام خاوية اليدين. كبرت وتبعثرت أحلامي وطموحاتي وإلى الآن أردد اختاروا لي!
عقدة حرف
راء راء هكذا بكل مكان وزمان يكررون علي ذلك الحرف البغيض الكل يلقي لي بكلمة يذكر فيها الحرف مرة أو مرتين يتأملون ملامحي وأنا أرددها بيني وبين نفسي تعلق الكلمات بحنجرتي كل الحروف تنساب إلا عقدة حرف الراء تخنقني أغص بها أشعر بأن هناك شيئاً ثقيلاً يؤلمني يقف على مزمار صوتي فيخرج الراء مني على هيئة ألف حادة هل تعرف شعور طفل كبر قبل أوانه، منذ كان بالخامسة وهو يختار كلماته يحاول جاهداً أن يبحث عن شيء لا يعرف ماهيته ولا يدرك أي خطأ يرتكبه لولا ضحكاتهم الساخرة لظن أنه أجملهم فصاحة وبلاغة.
كذبة واحدة
يتسلّم أخي رسالة من ساعي البريد يقرؤها بصوت عال ليطمئن أمي بأن أخي سعيد بخير.. تأخذها أمي وتضعها بين يدي أبي الكفيف يشتم رائحتها وتفيض عيناه بالدمع.. وأنا أنتظر متى يحين دوري لأمسك بها وأعود راكضاً إلى غرفتي لأضعها في صندوق مع كومة رسائل بعد خيبة أملاً مردداً صبراً جميلاً والله المستعان.
منذ ثلاث سنوات مضت نتشارك جميعاً في كذبة واحدة ونختلق الطمأنينة والسعادة بدءاً من ساعي البريد الذي يكتبها اتفاقاً مع أخي الذي يختنق صوته في كل مرة يقرؤها على أمي التي تجهل القراءة وتعلم الحقيقة المرة وصولاً لأبي الذي لا يجد رائحة أخي ويخفي ألم ما يدركه وأخيراً إلي أنا الأخ الأصغر الذي ألعب الدور الأكبر بجمع تلك الرسائل علني أجد خطاً لو مرة يطابق خط أخي المفقود في الحرب.
جدّي
رحل جدي وترك لنا عصاته معلَّقة على باب المدخل تطرق الأبواب كلما نودي حيِّ على اٌلصلاة.
كسر
لم تكن تفتح الأبواب إلا بدفعها للخارج، وحده باب قلبي ما كان يدفع للداخل، لذلك عندما كسر كان يجب إصلاحه من الداخل فقط!
ثقافة
كانت أمي تخيط ثياب فتيات الحي وعندما تنتهي تجمع القطع والقصاصات المتناثر وتصنع لي منها فستاناً متعدِّد الثقافات ...
فراق
كان المنجل بدون رحمة يقطع رأس السنبلة التي أصبحت رغيفاً بيد طفل ألقاها تحت قدمي الفزاعة التي تبكي صمتاً على مؤنستها في الحقل.
جدائل
كانت أمي تضعني بين قدميها تشد شعري للخلف لتوازن مفرق رأسي ثم تصنع لي جدايل مخضبة برائحة الحناء من كفيها
وحيد
على نهر السين يعلقون الإقفال ويلقون بالمفاتيح
وأنا ما زلت أتحسس قفصي الصدري
متلازمة حب
بعد سنين من التعب كتب لي أن أحملها بين يدي يُقال عنها ويُقال وأردد هي هدية الرحمن.
طارق
غَرِقَ فِي الْبَحْرِ فتبخَّر إلَى مَاءٍ يَطْرُق نَافِذَتِي كُلَّمَا أَمْطَرَت!
** **
- ندى سليم الزهراني