د. عبدالحق عزوزي
لا جرم أن أحد أسباب صعود اليمين في الدول الأوروبية هو تدفق اللاجئين لأراضيها موازاة مع حرية الحركة داخل الاتحاد؛ الأمر الذي أسهم في عدم السيطرة على هذا التدفق. وعندما فتحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل باب الهجرة دون حدود نشبت حملة إعلامية ضدها، استهدفتها، واستهدفت المهاجرين في ألمانيا، وفي معظم العواصم الأوروبية. وهي عوامل أججت الكراهية للمهاجرين، وقرّبت الناخب للتيارات المعادية لهم.
كما أن اليمين المتطرف ما يفتأ يكرر أن نسبة كبيرة من المهاجرين لم يهاجروا لأسباب إنسانية، وإنما لأسباب اقتصادية؛ وهو ما يسهم في تراجع التعاطف الشعبي معهم. كما يتم تخويف الأوروبيين من توافد أعداد هائلة من العرب والمسلمين، وتأثيرهم على الهوية والثقافة الأوروبية، مروجين لدعاية أنهم أتوا لأسلمة أوروبا.
ولا يجب أن ننسى أن الوضع الاقتصادي وما حصل في اليونان أشعر كثيرًا من الأوروبيين بأن سيادة الدول الاقتصادية قد سُلبت منهم.
وفي هذا الصدد تم منذ أيام تأييد إدانة الزعيم اليميني المتشدد الهولندي خيرت فيلدرز بتهمة توجيه إهانة جماعية لمغاربة خلال تجمع في لاهاي عام 2014، لكنها برأته من تهمة أخرى هي التحريض على التمييز. واعتبرت محكمة استئناف هولندية أنه تم إثبات الإهانة الجماعية عندما دعا فيلدرز الحشد إلى «تقليل عدد المغاربة» الموجودين في البلاد. وقال القاضي جي. إم. راينكينغ: «إن المحكمة تعتبر أنه تم إثبات أن السيد فيلدرز مذنب بتوجيه إهانة جماعية»، ولكن لم تقرر المحكمة أي عقوبة بحق فيلدرز على خلفية التهمة المرتبطة بتجمع سياسي جرى عام 2014؛ إذ سأل فيلدرز أنصاره إن كانوا يرغبون بـ»أقل أو مزيد من المغاربة» في هولندا، فهتف الحشد «أقل! أقل».
وتجري متابعة القضية من طرف جل المتتبعين قبل انتخابات العام المقبل، وسبق أن اعتبر زعيم حزب الحرية المعادي للإسلام أن القضية مجرد «محاكمة سياسية»، ونقاش بشأن حرية التعبير. ويذكر أن حزبه يشكل ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد حزب رئيس الوزراء مارك روتي الليبرالي «الشعب من أجل الحرية والديمقراطية».
السيد خيرت فيلدرز هو زعيم يميني متطرف، وهو حديث الساعة، ليس فقط في هولندا، ولكن في معظم الدول الأوروبية؛ بسبب كرهه الشديد للإسلام والمهاجرين؛ فالرجل ليس له أي اعتراف بالآخر، ولا بقواعد العيش المشترك، ولا بحقوق الجاليات، ولا بالإسلام، ولا بالحريات العامة. وكل من توفر على هاته الخاصيات يكون يسبح في عالم من الكراهية الشديدة، يصعب معه أي حوار جاد.
فمنذ أزيد من سنتين تبنت العديد من الدول الأوروبية خطابات يمينية في أساليب حكمها، خاصة أن العديد من الفاعلين السياسيين يعتبرون وجود جالية مسلمة في أوطانهم بمنزلة تهديد حقيقي لهوية بلدانهم كما كتبنا في بداية المقالة، ويعتبرون أن المسلمين غير مندمجين بما فيه الكفاية في المجتمعات؛ ويرجعون ذلك إلى الاختلافات الثقافية المختلفة، وإلى القيم قبل الأسباب الأخرى المرتبطة بالغيتوهات أو الصعوبات الاقتصادية. وإذا رجعنا إلى استطلاعات الرأي المتاحة فإنه مع وجود اختلافات بين المستجوبين الشباب والمسنين والناخبين من اليمين ونظرائهم من اليسار، فإن نسبة كبيرة منهم تربط بين الإسلام ورفض القيم الغربية، ونلمس ذلك جليًّا في نظرتهم لقضية الحجاب وبناء المساجد؛ إذ إنه أكثر من 59 في المئة من المستجوبين مثلاً يعارضون ارتداء المسلمات الحجاب في الشارع، و32 في المئة فقط يعتبرون ذلك أمرًا لا يعنيهم، كما أن 39 في المئة من الفرنسيين يبدون معارضتهم لبناء المساجد مقابل 22 في المئة في سنة 2001.
إن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي يجعل اليوم الأجسام الغربية أجسامًا مريضة بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وعن كل المهاجرين، وهو الذي يولد في عقول الغربيين مقولة وجود هوية وثقافة بلدانهم في خطر أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية. وهاته الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك على قبيل ما وقع في تسعينيات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة، وطلبوا اللجوء السياسي في بلدان عدة.. ولا يمكن أيضًا تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية، التي تتجاوز حدود هولندا وألمانيا؛ لتشمل جل الدول الأوروبية، خاصة بعد وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية.