سهوب بغدادي
فيما نجد أنفسنا أحياناً نلقي كلمة أمام عدد من الأشخاص، فنسعى جاهدين لجعل كلماتنا متسقة مع أفكارنا، والأهم من ذلك حرصنا على وصولها إلى قلوب وعقول المستمعين وفق الموقف المعني بالكلمة.
من هذا النسق، وجدت نفسي ألقي كلمات ارتجالية أمام جمهور فريد، لم أخاطبهم من قبل، وكان المحفل في مؤسسة الأميرة العنود الخيرية بالتزامن مع احتفال العالم -مؤخراً- في يوم 23 سبتمبر بلغة الإشارة، عندما طلب مني صاحب الجهود الملهمة الأستاذ حمد الحميد أن ألقي بضع كلمات أمام الجمهور، فوجدت أنني الوحيدة التي لم تقم بالتفكير فيما سأقول اليوم. لطالما تلعثمنا في كلماتنا وأصبنا بالحرج والخجل، فلم تكن تلك مخاوفي بل خشيت من عدم تمكني من إيصال ما يختلج قلبي للجمهور باعتبار أن غالبية الحضور في ذلك اليوم من الصم وضعاف السمع. عندها قررت وأخبرتهم بأنني سأبتعد عن الكلام المنمق والرسمي وسأكتفي بحديث القلب لكي يصل إلى قلوبهم وكان ذلك رجائي.
وجدت صمتاً مفعماً بالفصاحة وأعيناً متلألئة تعكس تفاعلاً مع كل كلمة تبت بها شفتاي، وكل إيماءة وحركة أقوم بها. وبنهاية كلمتي تصاعد تصفيقهم لي، بل وجدت ابتسامات عذبة عمّت أرجاء المكان. وبانتهاء الحفل عمد العديد منهم إلى شكري والاستعانة بمترجمين الإشارة لضمان وصول تلك الفكرة بشكل مباشر. لقد فاقت سعادتي ذلك اليوم كل الاعتبارات. فلم أختبر تواصلاً إنسانياً سامياً وشفافاً في حياتي كهذا التواصل. سواء كان من ناحية التركيز والتمعن في القصد والمعنى أو التفاعل المصاحب لكل كلمة.
من هذا المنطلق، ترجع أهمية هذا اليوم الذي حددته وأعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفه اليوم الدولي للغة الإشارة في إذكاء الوعي بأهمية هذه اللغة والتوعية المتواترة بحقوق ضعاف السمع والصم. ولمسنا اهتمام المملكة، خاصة خلال جائحة كورونا عبر تفعيل لغة الإشارة في اجتماعات لجنة كورونا اليومية. إذ تبرز لنا أهمية الالتفات إلى جميع فئات وأطياف المجتمع، وإيجاد سبل إشراك الأفراد في عملية التنمية المستدامة في جميع الكيانات الفاعلة لتضحي المملكة في مصاف الدول -بإذن الله تعالى-. هل تسمعين أشواقي عندما أكون صامتاً؟ إن الصمت يا سيدتي هو أقوى أسلحتي.. هل شعرت بروعة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئاً؟ (نزار قباني)