خالد الغيلاني
سيرًا على الماءِ أم سيرًا على الإبِلِ
ليقضيَ اللهُ أمرًا كانَ في الأزَلِ
سيرًا جميلًا وما بالسَّيرِ من جَنَفٍ
قصدَ السبيلِ ولا يشكو من الزَّلَلِ
خطىً على الرَّمْلِ والماشونَ أفئِدةٌ
سالتْ تقصُّ حنينَ اللهِ في رَجُلِ
حتى الأخاديدُ في الأقدامِ سارَ بِها
من بَعْدَهم في طريقٍ غيرِ ذي وَجَلِ
خطىً وماذا عَليْنَا لو تتبَّعَها
منَّا فريقٌ ولم يرعوا مع الهَمَلِ
خطىً رسمْنا بها يومًا خريطتنا
على كيانٍ جميلِ الشَّكْلِ مكتملِ
خطىً على الرمْلِ لا تنْفَكُّ باحثةً
عن عاشقٍ لم يَمَلْ عنها ولم تَمَلِ
خطىً تحدُّث فيما حدَّثَتْ هِمَمًا
أنَّ العُلا يبتغي جدًّا بِلا كَلَلِ
خطىً تمشّتْ تشقُّ القلبَ في رمَضٍ
كأنَّها من ظِلال الحبِّ في طَفَلِ
توحَّدتْ عامَها التسعينَ ضاحكةً
مذ قام ستونُ حولَ القائدِ البطلِ
عبدُالعزيزِ الذي عزَّتْ أوائلُهُ
وأتبعَ العزَّ عزًّا غيرَ منتقلِ
مطوِّعُ الصعْبِ وانقادَ الزمانُ لَهُ
فسؤددُ العزِّ والأمجادُ حيثُ يلي
إنَّ الأحاديثَ في نجدٍ تقصُّ لنا
ما كانَ من حَدَثٍ أو كانَ من جَلَلِ
الطيِّبونَ على أحداقِها نبتوا
كأقحوانِ الرُّبى والسَّهلِ والجَبَلِ
الأنقياءُ تقضّى اللهُ أن يلدوا
أبناءَهم مثل مبيضٍّ من النَّسَلِ
تبتَّلوا الغيمَ حدَّ العشقِ فانبجستْ
أرواحهُمْ من ندىً فيهِ ومن بَلَلِ
نُموا إلى الشمسِ حيث اللهُ قالَ لهم
كونوا كأبنائِها في كلِّ مُرْتَحَلِ
ينسلُّ من أعينٍ نامَ الهجيرُ بِها
نومَ القريرِ إلى صدْرٍ من الأمَلِ
يا ساهرَ البرقِ والأجفانُ راعدةٌ
أومضْ لعلَّ سرىً يشفي من العِلَلِ
مشوا ظماءً، مشى في ظلِّهم حُلُمٌ
ما أجملَ الحُلْمَ في أيَّامِهِ الأُوَلِ
كانوا خِفَافًا كأنَّ الريحَ تحتهمُ
كالخيلِ مرَّتْ كمرِّ الرائحِ العَجِلِ
خشونُةُ العيشِ لم تمنعْ تصورَهم
لدولةٍ قد غدَتْ من خيرةِ الدُّولِ
إن الرياضَ لها من إسمها شبَهٌ
خلِّ العواصمَ ما التكحيلُ كالكَحَلِ
أقامَها من أقامَ الميْلَ من عِوجٍ
على أصمٍّ من العسَّالةِ الذُبُلِ
ابنُ الحسينِ أخي قد قالَها مَثلًا
«أعلى الممالكِ ما يبنى على الأسَلِ»
يا نجدُ يا صورًا منسوجةً عبقًا
خبأتُكِ اليومَ بين القلْبِ والمُقَلِ
أكنتِ تدرينَ إذ جئتِ على قدَرٍ
من مسَّهُ الشوقُ حتى مُسّ بالنَّحَلِ
على مغانيكِ لفَّتْ بنتُ ليلتِها
ضفائرًا فوق خصرٍ هُزّ معتدلِ
ناجتْ لها قمرًا أرختْ لها ستُرًا
وذوَّبتْ قلبَها المبلولَ بالتبَلِ
تذكَّرتْ جيرةً أهلين باديةً
مضوا مع الله في شُغْلٍ عن الشُغُلِ
على الشفاهِ هتافٌ كلما رحلوا
فالأرضُ في جذلٍ والركبُ في ثمَلِ
حتى البداوةُ فينا لم تزلْ وطنًا
للصاعدينَ علوًّا غيرَ ذي سَفَلِ
من اليمامةِ ممشانا وطوَّقنا
على الطريقِ طويقٌ مضربُ المَثَلِ
حتى أتينا على مخضرِّ منزلةٍ
من خضرةِ العشقِ أو من خضرةِ الهَطَلِ
فيها عسيرُ التي رقصتْ على نغَمٍ
لسودةٍ في سحابٍ رائقِ الأُصُلِ
حيثُ الحياةُ لها معنًى يداخلُنا
يحبِّبُ الفرحَ بين الجدِّ الجذَلِ
ثم اتجهنا إلى جازانَ حيثُ بنا
شوقٌ لفيفاءَ حتى طلحِها العسلي
وبعدَها فإلى نجرانَ لا أحدٌ
كأهلِها لم نَحُلْ عنها ولم تَحُلِ
حتى ارتفعنا قليلاً كلُّنا ولهٌ
لباحةِ الخيرِ والأهلينَ والنَّبَلِ
وهزَّنا عالجٌ ما كانَ أجدرُهُ
إلى الحجازِ لمأوى سيِّدِ الرسلِ
يا مكةً طيبةُ البيضاءُ راحلةٌ
بهِ إليكِ وقالتْ هيْتَ فارتحلِ
أتاك يبذرُ في عينيكِ نخلتَهُ
حتى استوى سوقُها يا حلوةَ الظُلَلِ
وساقنَا للعلا آثارُ من غبروا
طنطورةٌ قصة الإبداع في طَلَلِ
يا ربَّةَ العمدِ الحمراءِ آخذةٌ
بنا إلى منظرٍ في رونقِ الكِلَلِ
حتى الشمالُ حدود الياسمين على
أطرافِها أيها المسكونُ بالجَمَلِ
وحائلٌ (يا بعَدْ حيي) هنا بسطتْ
كفًّا من الجودِ يا قتَّالةَ البَخَلِ
وفي تبوكٍ لها من ناسها سببٌ
للطيباتِ بلا غلٍّ ولا دَخَلِ
وذي القصيمُ قصيمُ اللهِ حيث بها
من همِّةِ الجدِّ ما أربى على زُحَلِ
والجوفُ يا أيكةَ الزيتونِ إن لنا
من أرض تيماءَ حيث الشعرُ لم يزلِ
أتيتِ من غابرِ التاريخِ فوق ذرى
إنسانُكِ البكرُ كالأجبالِ لم يملِ
والساحلُ الشاعرُ الشرقيُّ حيث صبا
يقطِّفُ النخلَ عندَ الأعينِ النُجُل
حتى الخليجُ به شوقٌ يراودُهُ
ما أعظمَ الحبَّ يا ريحانةَ الجُمَلِ
هذي البلادُ حضاراتٌ مسجلةٌ
وليسَ تدركُ بالأفكارِ والحِيَلِ
الأرضُ مكتلُ فلاحٍ ومعولُه
وخبز أمٍ لطفليْها مع القُبَلِ
الأرض شيخٌ ثنى للعلم ركبتَه
وسبَّحَ اللهَ بالتذكيرِ والعَمَلِ
الأرض طلابُ نورٍ في مدارسهم
مدُّوا لنا من نبوغٍ مدَّةَ الطُوَلِ
الأرض هذي الصبايا الوردُ باسمةً
لفّتْ على الجيدِ معقودًا من الخُصَلِ
الأرض أستاذُ أجيالٍ بجامعةٍ
مشكاة تنويرِ دنيانا بلا مَيَلِ
الأرض طينتنا السمراءُ قد وسعت
قلوبنا رغمَ ما فينا من الخَطَلِ
حدودها لا خطوطٌ رسمت عُرَضًا
بل الشرايينُ لفتها على مَهَلِ
نمنا عليها كأطْفالٍ تلاعبنا
وهدهدتنا على لحنين من غزلِ
لو كنت متخذًا غير التي أخذت
ما قدَّرَ الله من حبٍ هناك عَلِي
لكنت كالميِّتِ المدفونِ مر به
ركائب الحزنِ والحسْرات والفشَلِ
يا أيها الوطن المنسوجُ من دمِنا
إنا انتحلناك يا فجرينِ من نِحَلِ
ولو تباعدت في الدنيا كمغتربٍ
لكنت آخر ما ألقاه من سُبُلِي
نديَّةُ الكفِ أدنيها أقبلها
ومرِّرِيها على فوارةِ الشُعَلِ
فإن في داخلي نهران من لبنٍ
في حافتيهِ جرى نبعٌ من العَسَلِ
إن الودادَ الذي قد حِيزَ أولُه
طوعًا وآخره من عاشقٍ جَبَلي
هو الذي طوَّعَ الألفاظ رصَّفَها
حتى بدت في جلالٍ غير منتحلِ
أرقى به صاعدًا يرقى الذرى صُعُدًا
مرقى السمواتِ حتى دارةِ الحَمَلِ
وما وجدت لشعري في الدنا شبهًا
إلا قليلًا على خوفٍ من العذلِ