د. ناصر بن علي الموسى
إن قلوبنا في المملكة العربية السعودية على الدوام، خاصة في هذه الأيام مفعمة بالمحبة والمودة، والاحترام والتقدير، والاعتزاز والافتخار بقيادتنا، وإن مشاعرنا تعجز عن وصفها الكلمات، ولا نملك في هذا المقام إلا أن يقول لسان حالنا: إن الله -سبحانه وتعالى- قد استجاب دعاء المسلمين، وهم يرددون: «اللهم ولِّ علينا خيارنا»، فقد اختصنا ربنا -جل وعلا- بقيادة حكيمة، واعية رشيدة، تعمل ليل نهار من أجل خدمة دينها ووطنها ومواطنيها.
إن اليوم الوطني هو ذكرى عطرة، ومناسبة خالدة، ووقفة عظيمة نعيش من خلالها عبق الماضي، ونشخص أوضاع الحاضر، ونستشرف آفاق المستقبل، ونستلهم العبر والدروس من القصص البطولية التي سطرها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه-.
ويعلم الجميع أن هذا اليوم هو تتويج لكفاح طويل قاده الملك عبدالعزيز في سبيل توحيد هذه البلاد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو كذلك انطلاقة لمسيرة الخير والعطاء، والبناء والنماء، والتعمير والتطوير التي بدأها -طيب الله ثراه-، وواصل إكمال فصولها من بعده أبناؤه البررة: (الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله) يرحمهم الله جميعاً.
ويأتي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان غرة في جبين الدهر، وتاجاً على صدر الزمان، ووساماً تتباهى به حضارة بني الإنسان، فقد دخلت فيه المملكة مرحلة تاريخية جديدة مهمة، فهو عهد تشهد فيه البلاد قفزات كمية ونوعية هائلة من التحولات والتغيرات والتطورات والإصلاحات في جميع مفاصل الحياة، وتعيش مزيداً من التطور والتحضر والرقي والتقدم، وتطلق المبادرات الخلاقة، والمشروعات العملاقة، والإنجازات الكثيرة، والخيرات الوفيرة، ويبلغ الإنجاز ذروته، ويصل الإبداع قمته، ويكمل التفوق مسيرته.
إن ما تحقق ويتحقق في هذا العهد الزاهر لا يمكن استغرابه أبداً؛ فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هو قائد استثنائي آتاه الله الحكمة والعمق في التفكير، وبُعد النظر، والقدرة على العزم والحزم والحسم في المواقف المهمة، كما أنه -أيده الله- يحمل رصيداً هائلاً من الخبرات السياسية والإدارية والاقتصادية، ويمتلك سجلاً حافلاً من النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية، وهو متخرج في مدرسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-.
وقد كان -يحفظه الله- ركناً أساساً من أركان الحكم منذ عهد المؤسس حتى تولى مقاليد الحكم في المملكة، وكان دائماً الساعد الأيمن لإخوته الملوك الذين تعاقبوا على الحكم في المملكة، وذلك من خلال الرأي السديد، والفعل الأكيد، والفكر الأمين، والعلم الرصين، والمشورة الصادقة، والمؤازرة الواثقة.
وتحظى المملكة في هذه المرحلة بقيادة شابة تمتلئ بالنشاط والحيوية والتفوق والتألق، وتتسم بالجد والاجتهاد والتفاني والإخلاص، وهي تتمثل -في أبها صورها- في صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع -وفقه الله- الذي نذر نفسه ووقته وجهده في سبيل خدمة دينه ثم مليكه ووطنه، وقطع على نفسه عهداً أن يواصل العمل ليل نهار حتى تصبح المملكة في طليعة دول العالم المتقدم في مختلف مجالات الحياة.
وهو -يحفظه الله- مهندس رؤية المملكة (2030)، وأستاذ برامجها التنفيذية، ورائد أفكار التحديث والتجديد والتعمير والتطوير على مختلف المستويات.
وفي هذا العهد الزاهر تبلورت لدى المملكة رؤية طموحة هي رؤية (2030)، والتي من أهم أهدافها الاقتصادية تنويع مصادر الدخل في المملكة، وهو هدف تكرر في الخطط التنموية الخمسية العشر الماضية، إلا أنه لم يتحقق -بشكل واضح- إلا بموجب هذه الرؤية، فقد قللت المملكة كثيراً من اعتمادها على النفط كمصدر وحيد تقريباً، وأخذت تتجه بقوة نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، وتحقيق التنمية المستدامة في المجالات كافة.
وتطل علينا ذكرى اليوم الوطني التسعين -هذه المرة- في عام استثنائي حافل بالأحداث التاريخية العظيمة، ومن أبرز هذه الأحداث ما يلي:
أولاً: إن المملكة العربية السعودية قد تسنمت هام المعالي، وتربعت فوق عرش المجد العالي، وتولت دفة القيادة، وحملت مشعل الريادة، عندما انبرت تقود العالم كله بكل كفاءة واقتدار، بل وبكل تفوق وتألق وابتكار، وذلك من خلال رئاستها لمجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين اقتصاداً في العالم.
وقد حشدت المملكة الإمكانات كافة المادية والمعنوية والبشرية والتجهيزية، ووضعت الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي تضمن لها -بإذن الله تعالى- تحقيق الأهداف التي تسعى إليها من خلال رئاسة هذه المجموعة بما يليق بمكانتها الرفيعة.
وقد وقف العالم -دولاً وشعوباً- طويلاً احتراماً وتقديراً وإعجاباً بقدرات وإمكانات وطاقات بلادنا الحبيبة، وحكمة وحنكة وهمة قيادتنا الرشيدة، وعزيمة وإرادة ورقي شعبنا النبيل.
ثانياً: وقفت المملكة -بقوة وثبات- في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد التي تعد أخطر جائحة تجتاح العالم في العصر الحديث، فقد عصفت بالعالم كله متقدمه ومتأخرة، كبيرة وصغيرة، قوية وضعيفة، غنية وفقيرة على حد سواء دون تمييز، وجاءت لتجثم على صدور الدول، وتفتك بأرواح البشر، وتدمر الاقتصادات، وتنخر في بناء المجتمعات.
وقد بهرت المملكة العالم بتعاملها مع هذه الأزمة على الصعيدين المحلي والعالمي، فأما محلياً، فقد تنبهت المملكة إلى خطر هذا الفيروس في وقت مبكر جداً، واتخذت الإجراءات والتدابير والاحتياطات الاحترازية اللازمة كافة للمحافظة على الأمن الصحي، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، والأمن النفسي والاجتماعي، محققة بذلك التوازن في المعادلة الصعبة، والمتمثلة في الاهتمام بصحة الإِنسان، وتخفيف الآثار السلبية على الاقتصاد.
ثالثاً: مارست المملكة في هذا العام دورها القيادي الريادي في مجال صناعة البترول، واستطاعت من خلال هيمنتها البترولية، ومعرفتها الاقتصادية، وخبرتها التراكمية، وحنكتها السياسية أن تتزعم العالم في حل مشكلة أزمة أسعار البترول، وتعيد التوازن في أسواق البترول بما يخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وذلك بعد أن عصفت هذه الأزمة بالعالم، حيث انخفضت أسعار الذهب الأسود إلى أدنى مستوى لها في التاريخ.
رابعاً: يمكن أن يسمى هذا العام بالعام الإلكتروني، حيث تطورت الاستخدامات الرقمية بشكل فاق كل التصورات، والأهم من ذلك أنها دخلت مجالات الحياة كافة، وذلك من خلال الأجهزة والأدوات، والبرامج والتطبيقات، والقنوات والمنصات، وقد اضطرت جائحة كورونا معظم دول العالم إلى اللجوء إلى الحلول الإلكترونية التي خففت كثيراً من وطأة هذا الوباء الفتاك، فأصبحت القمم والمؤتمرات والندوات والملتقيات والاجتماعات تتم عن طريق الاتصال المرئي، وصارت معظم الخدمات الحكومية والأهلية والخيرية في المجالات الصحية والتعليمية والعلمية والثقافية والاجتماعية تقدم عن بُعد، وأضحت الأنشطة الاقتصادية والتجارية والتسوقية والفنية والترفيهية، والاتصالات الشخصية، وغير ذلك من النشاطات الحيوية تمارس إلكترونياً.
خامساً: على الرغم من الظروف الصعبة والحالات الاستثنائية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد التي ما زالت تخيم على دول العالم، إلا أن الله -سبحانه وتعالى- قد وفق قيادتنا الحكيمة الواعية الرشيدة إلى اتخاذ القرار الشجاع الحكيم الذكي بإقامة شعيرة الحج.. الركن الخامس من أركان الإسلام لهذا العام بأعداد محدودة من جنسيات مختلفة، وكعادتها كرست هذه البلاد المباركة كل الجهود، وحشدت جميع الإمكانات، واتخذت الإجراءات والتدابير والاحترازات الوقائية كافة لتحقيق مقاصد هذا الحج الاستثنائي، فجاء حج هذا العام ذكياً في تنظيمه وتنفيذه، نقياً في سلامته من الأوبئة والأمراض، آمناً مطمئناً في سكينته وروحانيته، وراقياً في تقديم خدماته، فبهر العالم بأكمله، وقدم صورة مشرقة رائعة لمدى حرص دولتنا -أعزها الله-، ورعايتها وعنايتها واهتمامها بضيوف الرحمن في هذا العام وكل عام.
سادساً: امتداداً لجهودها الإنسانية الكبيرة على الأصعدة كافة، فقد قامت المملكة بدور فاعل مهم في التخفيف من الآثار والأضرار المترتبة على الكوارث الطبيعية والمآسي الإنسانية التي حدثت في هذا العام.
وفي الختام.. ندعو الله -سبحانه وتعالى- أن يسكن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأبناءه الملوك البررة -الذين لحقوا به- الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بحفظه، وأن يكلأهما بعنايته ورعايته، وأن يديم على وطننا الغالي نعمه العظيمة كي يواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.