الهادي التليلي
ليس بالضرورة أن تحمل بطاقة هوية سعودية حتى تحتفي باليوم الوطني، وتشعر بالنخوة والاعتزاز للانتماء لهذا البلد الشامخ العزيز الراقي؛ فالسعودية هذا السحر الأخضر الذي أسر قلبي وقلوب عشاقه هو وطن الجميع، وذلك هو قدر الأمم الكبرى؛ فالسعودية لم تعد بلدًا فحسب، لم تعد مكانًا على الخريطة يحدها هذا البلد وذاك البحر، وتقع في تلك القارة فحسب؛ السعودية حلم شعوب، ومستقبل أمة، من حقها أن تتمثل في كيان عملاق، وصوت مسموع، وإرادة نافذة.. إنها أمل المستقبل، إنها أكثر من معنى، إنها مفرد بصيغة الجمع.
يحضرني في هذا السياق حوار ممتع من ذاكرة الأيام، أجرته إحدى الفضائيات مع رجل الدولة والفكر الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- أيام كان سفيرًا للمملكة ببريطانيا، الذي تنبأ بأن العقد القادم سوف لن يكون ثنائي الريادة العالمية، بل رباعيها، استنادًا للعناصر التي توافق عليها خبراء العلاقات الدولية، وهي (البشري والاقتصادي والعسكري والسياسي والتاريخي والجغرافي). ويرى أنه إذا توافرت هذه العناصر صارت الدولة قوية، وإذا تكثفت صارت دولة عظمى، وإذا تكثفت أكثر صارت أعظم، معتبرًا أن منصة السوبر باور ليست ثابتة، وأن أيام التاريخ متداولة على حسب المفهوم الخلدوني نسبة لابن خلدون. غازي القصيبي لحظتها وهو يقرأ الآتي قبل أن يأتي بأدوات الحاضر كان الوضع العربي آنذاك على الهشاشة والتشتت. وللتاريخ هو لا يزال على تلك الحال إلى الآن، والأهم من ذلك لم يكن هناك كيان عربي صلب، يتضمن هندسة للمستقبل على مستوى الحضور والفعل الدوليَّين.. أما الآن فلنا السعودية التي ترأس قمة مجموعة العشرين، التي تستعد لقيادة منظمة التجارة العالمية من خلال أحد كوادرها، الناظرة للمستقبل برؤية 2030، ورابعة أربعة وقفوا للعالم، وشدوا أزره خلال أزمة كورونا من خلال المحافظة على توازن سوق النفط الدولي، وأزر منظمة الصحة العالمية لمقاومة الجائحة، ومساعدة الدول الفقيرة وبعض الدول التي إلى هذا اليوم تصنف كبيرة لتجاوز تبعات كورونا. ومعلوم أن شدائد العالم تُظهر كياناته العظمى، وكورونا أثبتت أن السعودية رقم وازن جدًّا في معادلة السياسة والتنمية العالميتَين. وكأن د. غازي القصيبي الرائع تمنى شيئًا فحققته له مملكة الملك سلمان بالمقاييس التي يرى أن خبراء العلاقات الدولية أجمعوا عليها.
بلد الحرمين الذي هو قِبلة المسلمين، وأينما كنت في أي مكان من المعمورة، فأنت تولي وجهك نحوه، وتقف الآن بنخوة المنجز وبإرادة من يريد أن ينحت كيانًا، يوشح صدر التاريخ. بلد الحرمين يحتفل، وجدير به هذا البهاء وهذا الاحتفاء بيومه الوطني التسعين. فكل عام والمملكة قيادة وشعبًا تاج أخضر، يزين الحياة.