م.مصعب الداوود
إنها لذكرى خالدة، إنها الذكرى التي يستلهم منها الناس إحدى أروع البطولات والتضحيات، إنها قصص توحيد الجزيرة العربية، لكن ماذا كانت البداية؟ وكيف كان الناس يعيشون؟ لقد كانت القبائل تحارب بعضها بعضًا، وكانت الأمية الكبرى (أمية القراءة والكتابة) هي السائدة عند الكثير من السكان. كان الناس يهاجرون إلى أماكن بعيدة بحثًا عن لقمة العيش التي لم يجدوها لقمة سائغة في بلادهم، وكان الأمن والأمان ضعيفًا؛ لا يأمن المسافر أثناء سيره من هجوم قطّاع الطرق.. البيوت مبنية من الطين، والدكاكين تنحني لسعف النخيل الذي بالكاد يمنعها ضوء شمس الظهيرة الحارق، أو يحميها من تهاطل المطر الغزير. لم يكن ذلك الزمن بذلك السوء المحض؛ كانت نجدة المظلوم وإكرام الضيف من صفات مَن عاش، ولكن مع انعدام الأمن وشظف العيش وضعف التعليم لم يكن ليرضى الناس على واقعهم، بل أملوا في تغيُّر الأوضاع إلى الأفضل، وهذا ما حدث قبل أكثر من 90 سنة؛ إذ لم يكن هناك ما يدل على تحسن الأحوال، أو تبدل الأوضاع، حتى ظهر ذاك الفارس على ظهر جواده الأشهب طالبًا استرجاع حكم آبائه وأجداده، قاطعًا الصحراء العربية الحارقة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، مبتدئًا بالشرق الذي يموج بالثروات في باطنه، ومنتهيًا بالغرب عند الحجاز المقدس، إنه الحجاز الذي تتعلق به قلوب ثلث أهل الأرض، وتتجه إليه أنظارهم خمس مرات في اليوم والليلة. وبعد جهد جهيد، وسعي حثيث، وتعاون كبير بين الحاكم والمحكوم، أُعلن في اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932 توحيد المملكة العربية السعودية، ومنذ ذلك اليوم بدأت سلسلة لا متناهية من العطاء والنماء الذي عمّ القاصي والداني، وبدأت دولة البناء بالاهتمام بمواردها البشرية، وبثرواتها الطبيعية، ومع مرور الأيام تم تحقيق العديد من المنجزات الكبرى، وتمكنت المملكة العربية السعودية -بفضل الله- من أن تصبح من أهم الاقتصادات العالمية نظرًا لما تحتوي عليه في باطنها على ثروات طبيعية، أهمها البترول والغاز الطبيعي؛ إذ إن أكبر حقل بترول في العالم على اليابسة (حقل الغوار) يقع في شرق المملكة العربية السعودية، وأيضًا أكبر حقل بترولي على الماء (حقل السفانية) يقع كذلك في المنطقة الشرقية من المملكة، إضافة إلى كثير من المنجزات التي قدّمها أبناء المملكة في ميادين المعرفة والأبحاث العلمية التي لا تعد ولا تحصى. ولعل تلك الإنجازات مما يُشعر الموان بالفخر والعزة تحت قيادة حكيمة، سعت وأسهمت في وصول هذا الوطن إلى مراكز عالية مرموقة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والرياضية. ولن تنقطع هذه الإنجازات، بل ستتزايد بإذن الله.