د.شريف بن محمد الأتربي
قبل 90 عاماً؛ وفي يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق للأول من الميزان، 23 سبتمبر من عام 1932م تحول مسمى الدولة السعودية من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية بناء على المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالعزيز رحمه الله برقم 2716 ، وتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، ومنذ ذلك الوقت والمملكة العربية السعودية وجميع مواطنيها يحتفلون بهذا اليوم الذي يعد ثمرة جهد شاق ومثابرة وجهاد لأكثر من 30 عاماً قاده الملك المؤسس رحمه الله تحت راية التوحيد.
إن ملحمة توحيد البلاد والتفافها تحت راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله؛ وبقيادة الملك المؤسس رحمه الله يجب أن نقف عندها كثيراً ونستخلص منها العبر والدروس وننقلها إلى الأجيال الحالية والقادمة ليكون شعار: أرفع رأسك أنت سعودي.
لم يكن إعلان التوحيد هو بداية وجود المملكة العربية السعودية أو الدولة السعودية الثالثة؛ فقد سبقها جهد كبير ومتواصل على مدار ثلاثين عاماً، ففي الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق للخامس عشر من شهر يناير (1902م) تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- من استرداد الرياض، وبدء معركة تثبيت دعائم الدولة وتكوين الجهاز الإداري لها.
لقد بذل الملك عبدالعزيز رحمه الله وإخوانه ورجاله الغالي والنفيس في سبيل توحيد البلاد ولم تشغله المعارك التي خاضها عن إرساء قواعد ودعائم الدولة؛ ففي الوقت الذي كان يخوض فيه المعارك العسكرية، كان يقود معركة التنمية، ومن أهم ما قام به رحمه الله خلال هذه الفترة هو توطين البدو وتقسيم الدولة إدارياً خاصة بعد أن ضم جنوب نجد وسدير والوشم عام 1320هـ (1902م)، والقصيم 1322هـ (1904م)، والأحساء 1331هـ (1913م)، وعسير 1338هـ (1919م)، وحائل 1340هـ (1921م). وأخيراً ضم منطقة الحجاز في عامي 1343هـ و1344هـ (1925م) وفي عام 1349هـ (1930م) تم استكمال توحيد منطقة جازان.
إن لكل منطقة من هذه المناطق قصة وحكاية رواها الأولون للأبناء وللأحفاد، أبُرزت من خلالها مهارات الملك عبدالعزيز رحمه الله وحنكته وسماته القيادية، وقبل كل ذلك إنسانيته التي تعامل بها مع خصومه في جميع معاركه، حتى تحولوا جميعهم إلى رجال يحاربون تحت رايته، ويثمنون أعماله وقدرته على قيادة الدولة السعودية الناشئة إلى مصاف الدول الكبرى- وقد حدث-.
لم تكن معارك الملك عبدالعزيز مقتصرة على توحيد البلاد فقط، ولكنها معركة بناء دولة أنهكها الفقر والجهل وعاث في أرجائها الفاسدون ولم يردعهم أحد، وفي ذات الوقت كانت الجزيرة العربية تموج في فوضى عارمة وعدم استقرار كونها كانت عبارة عن إمارات ومشيخات صغيرة، حيث يتعرض من يقصدها أو يغادرها إلى السلب والنهب، ولعل أقرب مثال على ذلك رحلات الحج قبل تأسيس الدولة السعودية. فقد كان الذهاب إلى الحج في هذا الوقت بمثابة الذهاب إلى المجهول وأقرب إلى الانتحار، فالذاهب مفقود والعائد مولود وعندما كان الرجل ينوي الحج كان أقرباؤه وأصدقاؤه يودعونه وداع الفراق، لذا كان الحجاج يمشون في جماعة لسوء أحوال الأمن واضطرابه، وكانت تجتمع عليهم المخاطر وتتجاذبهم من كل جانب؛ سواء أكان قطاع الطرق أو الكوارث الطبيعية مثل السيول والأمطار أو شح المياه أو الحيوانات المفترسة التي تقابلهم في رحلتهم، ناهيك عن الإتاوات التي كانت القوافل مجبرة لدفعها للسماح لهم بالمرور في أراضي هذه الإمارات والمشيخات.
إن هذا الوطن الذي نعيش فيه الآن متمتعين بكل خيراته وننعم فيه بنعم من الله تعالى كثيرة، في ظل قيادة رشيدة لا تضن عليه بأي شيء من مال وجهد وعرق -وأقرب مثال ما حدث في جائحة كورونا- يحتاج منا أولاً أن تزداد لحمتنا معهم وأن نكون جميعاً جنوداً حاضرين في جميع الميادين، نقاتل لنرفع شأن الوطن ونبقي رايته عالية خفاقة بإذن الله، ولا ننسى أن ننقل لصغارنا قصص بطولات أبنائه في الجنوب وفي المستشفيات وفي جميع القطاعات، وأتمنى أن تقوم وزارة الثقافة ووزارة الإعلام بالتعاون فيما بينهما بإنتاج أفلام وثائقية وسينمائية تجسد هذه البطولات لتظل حافزاً ومحركاً لقوى أطفال اليوم وقادة الغد للحفاظ على مكتسبات الوطن.
موطني عشت فخر المسلمين.