إبراهيم بن جلال فضلون
من مصري وأرضهُ الكنانة يصدح بوطن العُروبة، ومأمن العالم أجمع، وطن الإسلام (السعودية 90)، أهديها رياحين قلمي ولم أُوفها حقها علي، فأُسطر: ليس مجرّد تاريخٍ خُطّ على الورق، أو مجرّد أبياتٍ شعر نظمها شعراء الدُنا، ولا أُغنية ترنم بكناريها المُنشدون، أو حتّى كتبٌ ولحن كلماتها موسيقيّو النغم والطرب الأصيل، وتفنن بها الأُدباء والحُكماء. إنّما هو خُلودٌ رسم بظلاله دماء ضحت لأجل البقاء، بقاؤنا نحنُ.. جعلتها ملاحم وأمجاد، طنت به صناعة التاريخ وأساطيره، وداعبت الأرواح بمُلامسة هام السحاب، مُغازلاً النجوم، ومحتضنًا همة «طويق» وعظمته، «همة حتى القمة»، شمخت من عام 1351هـ 1932، مولد المملكة العربية السعودية، على أكُف أجداد علوا وأعلوا راية «لا إله إلا الله»، وسطروا مع الملك الكبير والمؤسس عبد العزيز وأبنائه من بعده -طيب الله ثرى من مات منهم- وحفظ الله الأحياء وأطال بعمر رمزنا ملك الحزم والعزم سلمان.
ليس مجرّد تاريخٍ، إنه يوم صُورته يعجز عن رسمها أباطرة الفنّ، فقدر الله لها خط اللُحمة الفريدة والعظيمة بين الشعب وقادته، موروثاً للأجيال حتّى يومنا هذا، ليصير مميّزاً، لا خاصًّا بالسعوديين فقط، كيف؟، لأنه يومٌ للعالم الإسلاميّ كافّة، والعربي خاصة، لتقديمه وطنًا آمنًا يحتضن بين جنباته الحرمين الشريفين ومقدّساته، يأتيه الناس من كل فج عميق، من مشارق الأرض ومغاربها، آمنين مُطمئنين، عائدين بمشاعر، مسكُها الإحرام.
ليس مجرّد تاريخٍ: إنها تضحيات شهقت له أرض الوحدة، على مدى اثنين وثلاثين عاماً بعد استرداد المؤسس مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، وصدور مرسوم ملكي بتوحيد الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية في 17 جمادى الأولى 1351هـ، واختيار الملك عبد العزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932م، يوماً لإعلان قيام المملكة وتوحيدها، تحت رداء «اليوم الوطني». فلماذا نحتفل بذكراه إذاً؟.
ليس مجرّد تاريخٍ: مُستذكرين ولأبنائنا شخصية البطل العظيم الملك عبد العزيز، وللاعتراف بفضله، وفضل رجاله الميامين، واستلهام الدروس والعبر. بجلاء المُستعمر عن بلادهم، وجمع شتات مُتفرق يكادُ يستعصي على أكبر المُصلحين؛ لتُصبح واحة ظل ودوحة أمن وأمان وخيمة سعادة تجري فيها أنهار الإنسانية.
ليس مجرّد تاريخٍ: لأصالته فينا كمُنجز تاريخي عظيم، وحد أراضينا الشاسعة، ومناطقها، وقبائلها تحت راية التوحيد، ورسخ أعمدة الدولة في منجزاتها المُتعددة، لتوفر الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين.. والأمن والأمان بطُرق الحج التي كانت تعج باللصوص وقُطَّاع الطُرق، واجتث شرورهم من جذورها، وصار مضرب الأمثال تروي حكاياتها، كقصة الجمل الذي فقده صاحبه محملاً بالأرزاق حتى عثر عليه وأرزاقه كاملة لم ينقص منها شيء.
ليس مجرّد تاريخٍ: إنه جغرافيا المكان الذي اعتمده الله بأرضه، وجعلها أطهر بقاع، بل وجبلها الطبيعة الأثرة، ماداً يداه تعالى بنعمة اقتصادية كُنا نُعاني الأمرين من سوئها، ليكون عام 1357هـ - 1938، رخاء، حيث استخرج النفط ودوره في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها، بكافة أجزاء البلاد، ووضع نواة للطيران المدني عام 1945، ومد خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأحمر، وافتتحت الإذاعة السعودية عام 1368 هـ - 1949.
ليس مجرّد تاريخٍ: جعل المواطن في قلب وعقل القيادة مُنذ المؤسس - رحمه الله - بمحاربة المرض وتوفير الخدمات الصحية التي شهد لها العالم بجائحة كورونا 2020، وأشادت بها منظمة الصحة العالمية، ليكون ذلك انطلاقاً من المدرسة الأولى التي سار وأبدع في نهجها أبناؤه البررة في جميع المجالات والبناء الحضاري والاجتماعي والاقتصادي برؤية فوق هام السحاب، وهمة لا تنكسر كطويق..
ليس مجرّد تاريخٍ: إنه بركة الله والقيادة العالمية، وحالة عشق دائمة بين أضلع الوطن وشعبه وقادته، في وصال مُستمر بين مُترادفاته المتساوية الأبعاد حيث لا فرق بين حاكم ومحكوم وسائل ومسؤول، ومقيم ومواطن، فالكل سواسية، إذ أنهت بنزاهة عهد الفاسدين فضربت حتى ارتعدت فرائسهم وولوا أدبارهم، ليزيدا وصلهما وجداً على وجد، ناهيك عن حزم سلمان بدحر الإرهابيين والزود عن الجارة «اليمن» ضد همجية الحوثيين وأتباع إيران وسفاهة الإخوان ومرتزقة تركيا في بلادنا العربية.. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ليس مجرّد تاريخٍ: إنه وطن الإنسانية وملك الخير، لكونها جمعت الأضداد ولمت شمل المُتنافرين، باتفاقات منها اتفاق الرياض، وتحالفات خلقت من غيرالممكن وغيرالمتصور مُمكناً، غاية في الإمكان، اختُتمت بريادة وقيادة G20، وتقديمها خيرات بالمليارات للإنسانية في وقت هربت التحالفات من بعضها وانكفت الدول على نفسها، فكانت المملكة برؤيتها موئلاً في غاية الإبداع يجد فيه كل من ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه بدلاً من أن يولي مدبراً بيتاً رحيماً وأماً عطوفاً ووالداً براً رحيماً.
وأخيراً: لا بد أن نتذكر التضحيات الجسام، ولا بد أن نلتبس في لا وعينا ووعينا ضرورة الحفاظ على وحدتنا وقوميتنا، ففي التفريط فيها تعجيل بهلاكنا، فمصلحة الوطن بُوصلة نهتدي بها، حتى وصل شعارنا إلى همة حتى القمة، وأن نكون أوفياء للعبقري والقائد العالمي الملك عبدالعزيز وطاعة ولي أمرنا سلمان الحزم ولي عهده الأمين -وفقهما الله-، فالوطن كلمة واحدة ولكنه مساحة كبيرة جعلها -بتوفيق من الله- في مصاف الدول المؤثرة التي لها حضور قوي في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. وستظل بلادنا الغالية تستمد قوتها وعزمها من الله تعالى، ثم من تاريخها المُلهم قولاً وفعلاً، ولا أختتم مقالتي إلا ببيت شعر من قلب عربي مصري لأمير الشعراء أحمد شوقي:
وطني لو شغلتُ بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
حبُّ أبدي، وعشق لا يُنكره جاحد، في القرب أو البُعد عنه فالوطن (هو هو)، والمملكة (هي هي) ردائي العربي والإسلامي، فحفظها الله وأبعد عنها شرور الشياطين، لذا فهو ليس مجرّد تاريخٍ.