«الجزيرة» - عوض القحطاني:
عاشت المملكة العربية السعودية رحلة فخر وإنجازات عظيمة، حلقت على مدى تسعين عاماً، رحلة فخر سعودية ملؤها الاعتزاز بماضٍ تليد ومستقبل مجيد، حيث استطاعت هذه البلاد منذ إعلان مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- توحيدها تحت مسمى (المملكة العربية السعودية) في الثالث والعشرين من سبتمبر 1932م (الأول من الميزان)، تأسيس أكبر وأهم وحدة شهدها التاريخ الحديث وحدة توجت الجهود والكفاح العظيم للمؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي تمكن من تأسيس دولة قوية راسخة وعظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
وشهدت المملكة رخاء وازدهاراً وتقدماً تنموياً في جميع المجالات، وفي قطاع الطيران المدني وضع الموحّد الباني الملك عبدالعزيز -رحمه الله- اللبنات الأولى له، وآمن المؤسس بدور هذه الصناعة كعنصر أساسي وضروري لنهضة هذا الوطن الذي تزيد مساحته على المليوني كيلومتر مربع، واستشرف المستقبل بحكمته ونظرته الثاقبة بأهمية استحداث وسائل المواصلات الحديثة والسريعة في مملكته الفتية لتسهم في نهضتها الاقتصادية وربط مختلف أرجاء البلاد المترامية الأطراف بعضها ببعض، ومن ثم بالعالم الخارجي.
وكان العام 1945م، قد شهد هبوط طائرة مدنية من طراز «داكوتا دي سي3» في مدينة جدة، وكانت تلك الطائرة هدية من الرئيس الأمريكي روزفلت للملك عبدالعزيز -رحمه الله- على إثر اللقاء التاريخي الذي جمعهما على متن الطراد الأمريكي (يو إس كونسي) في البحيرات المرة الكبرى، فقام المؤسس العظيم بإهداء طائرته الخاصة المهداة له من الرئيس الأمريكي إلى شعب المملكة، وبدأت رحلات داخلية بين الرياض وجدة والظهران، وبعد أشهر قليلة أمر المؤسس -طيب الله ثراه- بشراء طائرتين من نفس الطراز، وشكّلت الطائرات الثلاث النواة الأولى للطيران المدني.
وقد حظي قطاع الطيران المدني بالاهتمام الكبير والبذل السخي على مشاريعه، من ملوك الدولة السعودية منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- واستمر أبناؤه الملوك الذين واصلوا مسيرة البناء والنماء وتحقيق المنجزات التنموية العملاقة على مدى عقود طويلة، لتصل المملكة لمكانة عالمية مرموقة على الصعد والميادين كافة، والتي كان منها قطاع الطيران المدني، حيث قام ملوك هذه البلاد وعبر تاريخها ببناء منظومة متكاملة من المطارات في أرجاء الوطن كافة، وصلت إلى (28) مطاراً، تستقبل ملايين المسافرين من داخل المملكة وخارجها، وشهدت مدينة جدة بناء أول مطار حديث ومتكامل في المملكة، وجرى افتتاحه في عام 1372هـ «1952م» برعاية الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله- وكان -آنذاك- ولياً للعهد، كما افتتح الملك سعود مطار الظهران الدولي في عام 1962م، وفي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات افتتحت العديد من المطارات الحديثة في مناطق المملكة كافة، كان أبرزها افتتاح الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- لمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة في العام 1981م ليحل محل مطار جدة القديم.
وشهدت العاصمة الرياض في العام 1983م، حدثاً بارزاً بافتتاح أحد المطارات الكبرى في المنطقة مطار الملك خالد الدولي على يد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ليحلّ بذلك محل مطار الرياض القديم، وفي المنطقة الشرقية تم إنشاء مطار الملك فهد الدولي بالدمام الذي افتتحه في عام 1999م الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وكان -آنذاك- ولياً للعهد، ليحلّ مطار الملك فهد الدولي محل مطار الظهران الدولي، وفي العام 2009م قام الملك عبدالله -رحمه الله- بافتتاح مطار الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز الجديد بينبع، كما افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي الجديد في المدينة المنورة في عام 2015م.
وفي شهر سبتمبر من العام 2019م، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- بافتتاح الصالة رقم (1) بمطار الملك عبدالعزيز الدولي الجديد، الذي يُعد واحداً من أضخم المطارات على مستوى المنطقة، ويعدّ مشروعاً تنموياً رائداً يساهم في تطوير الحركة الجوية في المملكة.
كل هذه المنجزات الكبرى التي كان خلفها ملوك هذه البلاد العظيمة، أسهمت في تطوير منظومة النقل الجوي بالمملكة، كما حظيت المملكة باحترام وتقدير وبلوغ مكانة مرموقة على الصعيد الدولي، حيث تقوم بأدوار حيوية في الوصول بصناعة النقل الجوي إلى أفضل المستويات الدولية، وأسهمت في ترسيخ التعاون بين دول العالم في مجال الطيران المدني، وصياغة القرار الدولي في المجالات المتعددة لصناعة النقل الجوي، وفي مقدمتها السلامة والأمن، كما استطاعت المملكة بناء منظومة متكاملة من المطارات الحديثة، وحرصت على تعليم وتدريب أبناء الوطن بمجال الطيران المدني وعلومه ليكونوا قادرين على قيادة ورسم مستقبل هذه الصناعة التي تعدّ المحرك الرئيسي لنمو الاقتصادي الدولي.
رحلة الفخر التي بدأت منذ (90) عاماً مستمرة في تحليقها إلى عنان السماء، حيث تسعى الهيئة العامة للطيران المدني إلى تطوير شبكة المطارات الدولية والداخلية في المملكة، وفق أحدث الأساليب والتقنيات العالمية، وبناء منظومة مطارات حديثة توفر خدمات عصرية متقدمة، بما يعزز بالارتقاء بالخدمات المقدمة للمسافرين بجودة عالية، وتحقيق التنمية المستدامة والمساهمة الرئيسية في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية عالمياً كدولة مؤثرة في صناعة الطيران المدني الدولي.