يأتي الاحتفال باليوم الوطني السعودي التسعين للمملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 2020 الموافق 6 صفر 1442 تحت شعار «همة فوق القمة» للدلالة على التقدم والتطور الذي تشهده المملكة في السنوات الأخيرة بسواعد أبنائها.
فاليوم الوطني مناسبة وطنية عزيزة تتكرر كل عام نتابع من خلالها مسيرة النهضة العظيمة التي يعيشها الوطن ويعرفها في كافة المجالات حتى أصبحت المملكة في مصاف الدول المتقدمة في زمن قصير تتميز على كثير من الدول بقيمها الدينية وتراثها وحمايتها للعقيدة الإسلامية وتبنيها الإسلام منهجاً وأسلوب حياة حتى أصبحت ملاذاً للمسلمين، حيث أعطت للحرمين الشريفين وقبلة المسلمين عظيم اهتمامها وبذلت الجهود الحثيثة في إعمارهما وتوسعتهما بما يتيح أقصى درجات الراحة للحجاج والزائرين، كما أظهر غيرة الدولة على حرمات المسلمين وإبرازها في أفضل ثوب يتمناه كل مسلم.
إن توحيد هذه البلاد على يد قائدها الملك عبد العزيز -رحمه الله- لهو تجربة متميزة للمجتمع الدولي وأحد النماذج الناجحة في تاريخ الأمم وإبراز ذلك النهج الذي تبنته المملكة في سياستها الداخلية القائمة على مبادئ الإسلام الحنيف، وكذلك في علاقاتها الدولية المستمدة من تراثنا وحضارتنا واحترام مبادئ حقوق الإنسان في أسمى معانيها، كما أنها فرصة ثمينة أن نغرس في نفوس النشء معاني الوفاء لأولئك الأبطال الذين صنعوا هذا المجد لهذه الأمة فيشعرون بالفخر والعزة ونغرس في نفوسهم تلك المبادئ والمعاني التي قامت عليها هذه البلاد منذ أن أرسى قواعدها الملك عبد العزيز -رحمه الله- ونعمّق في روح الشباب معاني الحس الوطني والانتماء إلى هذه الأمة حتى يستمر عطاء ذلك الغرس المبارك.
ونحن نشد على أيدينا وأيدي الجميع بالاحتفال بهذه المناسبة الغالية على النفوس، كي نجعل الأبناء على قدر كبير من الوعي، ويتذكرون ما صنع الأجداد وضحوا به في سبيل رفعة الوطن ونموه كذلك ما يفعله قادتنا الآن من توجيهات بجهود حثيثة للتعامل مع الأحداث الجارية على جميع الأصعدة والمجالات، بما يحقق للمجتمع الرفعة والتقدم والرقي، ولذلك نرصد إنجازات للمملكة متعددة نعرض بعضاً منها مما نشاهده من جهود.
المملكة وتحقيق الألفة والوحدة الوطنية:
إن من مقومات الوحدة الوطنية نشر المحبة والألفة بين أبناء الوطن، ونبذ العنف والشقاق والخلاف، ونشر لغة المحبة والتسامح والترابط والتكاتف، لأنها جزء مهم من قيمنا الوطنية وهي من القيم التي تحرص عليها القيادة لهذا الوطن منذ التأسيس على يد المغفور له القائد العظيم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. فمن مقومات وحدتنا الوطنية محبتنا لوطننا لأن هذه المحبة طبيعية لا يمكن أن تستغرب من أي شخص يعتز بوطنه ويفاخر به كيف لا وهذا الوطن هو مصدر سعادته ومصدر فرحه ومصدر استقراره، ومحبتنا لوطننا المملكة العربية السعودية تختلف عن محبة كل الأوطان الأخرى والسبب واضح لكل باحث عن الحقيقة وباحث عن المعرفة، أن وطننا المملكة يتميز عن أي وطن آخر من خلال حكمها بالشريعة الإسلامية فهي مصدر التشريع، وهي تحتضن أطهر البقاع في العالم مكة المكرمة والمدينة المنورة.
المملكة والعمل الإنساني:
ونظراً لهذا النجاح المتواصل من خلال الجهود التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رعاه الله، أصبحت المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات تبرز مكانتها الإقليمية والعالمية وتزداد قدراتها التأثيرية على جميع الأصعدة، وهذا يؤهلها لأن تحتل أعلى مكانة بامتيازاتها الاقتصادية والاجتماعية والدينية في المقام الأول، ولا ننسى مكانتها السياسية ذات التأثير المتنامي.
فمنذ تاريخ إعلان المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- ووصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- ويد الخير والعطاء ممتدة لتقديم المساندة والدعم للدول الشقيقة. هذا الخير يأتي انطلاقاً من إيمانها ورؤيتها كعضو فاعل في المجتمع الدولي وكقلب نابض للعالم الإسلامي. فما قدمته وتقدمه المملكة من مساعدات إغاثية وإنسانية متنوعة شملت العديد من الدول النامية، ولا تزال جسورها الخيرية ممتدة بالعطاءات الإنسانية المستمرة عبر العديد من الكيانات الحكومية، ومن أبرزها الصندوق السعودي للتنمية حيث يعد الصندوق القناة الرئيسية التي تقدم من خلالها حكومة المملكة مساعداتها الإنمائية. وتتميز قروض الصندوق بارتفاع عنصر المنحة وبأنها غير مشروطة، كما أنها مركزة على قطاع البنية الأساسية كالصحة والتعليم ومياه الشرب والإسكان والطرق والزراعة وذلك لأهمية تلك القطاعات في رفع مستوى معيشة البلدان النامية، ومنذ بدأ الصندوق نشاطه وحتى الآن أسهم في تمويل 582 مشروعاً و27 برنامجاً تنموياً في 82 دولة نامية تتوزع ما بين قارتي أفريقيا وآسيا ومناطق أخرى بمبلغ إجمالي تجاوز 51 مليار ريال، خصص الصندوق منها حوالي 27 مليارا من إجمالي مساعداته لتمويل 359 مشروعاً وبرنامجاً إنمائياً في 45 دولة أفريقية وأكثر من 23 مليار ريال لتمويل 232 مشروعاً وبرنامجاً تنموياً في 29 دولة في آسيا، و18 مشروعاً في مناطق أخرى من العالم بأكثر من مليار ريال.
ولم يقتصر دور الصندوق على تقديم القروض لمساعدة الدول النامية على تحسين مستوى معيشة شعوبها بل أسهم في تنفيذ المنح المقدمة من حكومة خادم الحرمين الشريفين لدعم الدول الفقيرة لمواجهة الظروف الطبيعية الطارئة، حيث نفذ الصندوق برنامج المملكة لحفر الآبار في أفريقيا لمساعدة دول الساحل الأفريقي لمواجهة الجفاف، حيث أسهمت الجهود في حفر آلاف من الآبار في دول أفريقية عديدة ليوفر مياه الشرب لأكثر من 3 ملايين مواطن أفريقي يعانون من الجفاف وقلة المياه.
ويواصل الصندوق السعودي للتنمية من منطلق ترجمته لتوجهات خادم الحرمين الشريفين وحرصاً منه على مساعدة الدول الفقيرة لتحسين المعيشة بها ومكافحة الفقر فيها، في دعم الجهود الدولية لمساعدة الدول النامية مباشرة أو عن طريق مؤسسات التنمية الدولية أو الإقليمية تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة.
ومن جهود المملكة البارزة إنشاؤها مركز الملك سلمان للإغاثة، حيث تأسس مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي توجب إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته وامتداداً للدور الإنساني للمملكة العربية السعودية ورسالتها العالمية في هذا المجال. ويتخصص المركز بالإغاثة والأعمال الإنسانية ويسعى ليكون مركزاً دولياً رائداً لإغاثة المجتمعات التي تعاني من الكوارث بهدف مساعدتها ورفع معاناتها لتعيش حياة كريمة، ومن أبرز برامج مركز الملك سلمان للإغاثة، مشروع إعادة تأهيل الأطفال المجندين، المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن «مسام» مشروع إنساني سعودي لنزع الألغام من الأراضي اليمنية وتطهيرها، مع تأسيس برنامج الأطراف الصناعية حيث بادر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى دعم وتمويل مراكز الأطراف الصناعية، والتي تقدم خدماتها بالمجان للمصابين من عمليات البتر، شملت العديد من النساء والأطفال في المحافظات اليمنية.
ومن مبادرات المملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة جاءت جهود المملكة في مكافحة الفقر والجوع، وهذه نابعة من شعورها بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، إذ تسهم في تقديم العون والمساعدات الإنسانية للدول الأشد فقراً والدول النامية، وللمنظمات الدولية. وتعتبر الدول المساهمة على مستوى العالم في برامج مكافحة الفقر والجوع. حيث تعمل على ضرورة تحقيق الأمن الغذائي عالمياً. ومن جهود المملكة في هذا المجال تقديم الدعم للمؤسسات والمنظمات الدولية مثل: وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونوروا”، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تقديم الدعم للمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالقطاع الصحي مثل: منظمة الصحة العالمية، المنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر، منظمة أطباء بلا حدود، كما تعد المملكة الأولى عالمياً في خدمة اللاجئين، كما احتلت المركز الرابع عالمياً بين الدول المانحة لتصدرها دول العالم باستضافتها لـ3 ملايين لاجئ ويزيد ، إضافة إلى المساعدات التي تطوع بتقديمها المواطنون السعوديون في مناسبات عدة. كما تتصدر قائمة الدول المستقبلة للاجئي اليمن بإيوائها أعدادا كبيرة من اللاجئين اليمنيين حول العالم، أما الزائرون اليمنيون والسوريون فقد اعتبرت المملكة اللاجئين اليمنيين والسوريين زائرين، وقدمت لما يزيد على نصف مليون يمني وما يقارب المليون سوري الكثير من التسهيلات بما في ذلك حرية الحركة والعمل واستقدام عوائلهم، كما سهلت لهم الالتحاق بالتعليم المجاني في المملكة والاستفادة من الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية. كما يتيح برنامج أجير لخدمات العمالة المتبادلة التابع لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمالة اليمنية والسورية العمل بصورة نظامية داخل المملكة.
ولا يخفى علينا ما قدمته المملكة الحبيبة من مساعدات وجسور جوية للمتضررين من الأزمات التي حدثت في كل من لبنان والسودان في الفترة الأخيرة شاملة الدعم المادي والمعنوي اللازم للأشقاء في هذه الدول.
المملكة والأزمات العالمية ذات تأثير المحلي:
إن التفشي السريع والمتنامي لفيروس كورونا الجديد يكشف الثغرات الموجودة في الأنظمة الصحية في دول العالم، ويُبرز المخاطر والفرص المحتملة للفساد، والتي تقوض من فرص التصدي لمثل هذا الوباء، وتحرم الشعوب من الرعاية الصحية المناسبة.
وقد تنبهت المملكة العربية السعودية لتأثيرات هذه الجائحة منذ ولادتها في محاولة للتعامل مع تداعياتها المختلفة مقدمة خدماتها لكل من يقيم بالمملكة من المواطنين والمقيمين، فقد تعاملت البرامج المختلفة لخدمتهم في ظل هذه الجائحة العالمية فقد انعكس هذا التنبه المبكر بشكل إيجابي في اتخاذ إجراءات استباقية للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد في وقت مبكر، وتسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية لتوفير الرعاية الصحية المتكاملة مجاناً، وفق أفضل المعايير والممارسات الدولية لكافة المواطنين والمقيمين، بما في ذلك مخالفو أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود المصابين بفيروس كورونا أو المشتبه في إصابتهم بدون أي تبعات قانونية أو مالية. حيث قامت كافة الجهات المختصة من جهود لضمان سلامة وراحة كافة المواطنين والمقيمين، وعلى وجه الخصوص جهود وزارة الصحة في استخدام التقنيات الحديثة لتقديم الاستشارات الطبية المجانية على مدار الساعة، وتوفير وصفات طبية إلكترونية للمرضى، وتوصيلها إلى منازلهم مجاناً لتجنيبهم من الحضور الشخصي إلى المستشفيات أو المراكز الطبية. كما تشيد الهيئة بجهود منسوبي القطاعات الصحية والأمنية والرقابية المعنية بحماية حقوق المستهلكين وضمان سلاسل الإمداد من المواد الغذائية والصحية في تعاملهم مع هذه الأزمة بكل احترافية ومهنية، وتنسجم جهود المملكة مع توصيات قمة قادة دول مجموعة العشرين، والتي عقدت بشكل استثنائي برئاسة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- بتاريخ 26 مارس 2020م، لتعزيز التعاون الدولي للتصدي لهذه الجائحة.
ولا يخفى على أحد مدى وضوح وشفافية سياسات وإجراءات الجهات الحكومية في المملكة لمواجهة الجائحة وتداعياتها وخضوعها للرقابة من قبل الجهات المختصة بما يمنع استغلال الأزمة بممارسات لتحقيق مصالح شخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة، وذلك بمتابعة مستمرة ومباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله-.
إن ما سبق وأن تناولناه هو غيض من فيض، فهناك الكثير والكثير مما بذل من جهود لهذه القيادة العظيمة على الصعيدين المحلي والعالمي باستعراض أمثلتها السابقة نستطيع أن نقول وبحق أنها مملكة الإنجازات والأفعال لا الأقوال.
حفظ الله مملكتنا الحبية من كل سوء وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عده الأمين -حفظهما الله- ووفقهم لما فيه خير للبلاد والعباد.
** **
د. عبد الله بن سعد الرشود - الأستاذ بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود - رئيس مجلس إدارة جمعية «لزم» للعمل التطوعي - رئيس مجلس إدارة اللجنة الأهلية للتنمية بوسط الرياض