فايزة محسن الحربي
اليوم مع احتفاليتنا الوطنية الكبرى (90) وترأسنا قمة العشرين عالمياً، في هذا الزحام والتألق، هل وصلنا مرحلة جديدة من الدراسات والنظريات العلمية، أم ما زال الوقت مبكرًا لنجد محاضن علمية لإثبات نظرياتنا الرقمية السعودية؟ عند مناقشتي مع الزملاء أجد حماسهم يعانق حماسي ارتفاعاً لإثبات النظرية وإدراجها ضمن النظريات العالمية للاستفادة من دراسة الظواهر الإعلامية الرقمية تحديدًا وهي لم تحظ إلا بجزء قليل من النظريات العالمية التي قد تفسرها أو تواكب تطورها المتسارع، وبتوفيق من الله رأيت الباحث السعودي قد خطا الخطوات المحلية والعالمية ليزاحم هذه النظريات في إبداعاتها وفرضياته التي ما زالت في بواكيرها تستحق الدعم والإبراز.
عندما كنت أقرأ عن نظرية (السمنة الإخبارية) للزميل الدكتور علي بن ضميان العنزي وحفاوة الأمريكان بنظريته عند تقديمها كبحث في مؤتمر إعلامي أقيم في مدينة سانت بيترسبيرج في ولاية فلوريدا عام 2012 كأول نظرية إعلاميَّة سعودية تفترض أن هناك شعورًا بالتشبع من الحصول على أخبار أكثر جراء استخدام الهواتف الذكية. وأنها زادت من الاهتمام بالأخبار مما أسهم في وجود سلوك غير اعتيادي بتفقد الهواتف الذكية لمرات عديدة خلال اليوم من أجل متابعة الأخبار، حقيقة شعرت بالسعادة والأمان أن أجد مستقبلاً حفاوة لنظريتي (الغوغاء الاجتماعية الرقمية) التي قدمتها كورقة عمل في المؤتمر الدولي الثاني لقسم الإعلام بجامعة الملك سعود، والذي جاء بعنوان: (البيئة الجديدة للإعلام التفاعلي في العالم العربي، الواقع والمأمول) 2017م، وجاءت فرضيات النظرية أن عامة الناس يروجون الرسائل الرقمية التي تصلهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي كالواتس اب بدون وعي منهم لأهداف وأيدلوجية القائم بالاتصال لهذه الرسائل، مع عدم تأكد هؤلاء العامة من صحتها قبل نشرها وعدم معرفة مصدرها الحقيقي، كما تفترض النظرية أن هناك منظمات فكرية وسياسية تعمل على كتابة وإصدار رسائل رقمية مغرضة تسعى لنشرها في مجتمعات ودول تستهدف زعزعة أمنها وتفكيك مجتمعاتها اجتماعياً وأمنياً، وتعد هذه النظرية التي وضعت فرضياتها (أمنية وإعلامية رقمية واجتماعية).
رغم التشجيع والدعم المعنوي الذي وجدته من الزملاء والأساتذة من حولي إلا أن النظرية ما زالت حبيسة المؤتمر، حاولت إعادة دراسة فرضياتها بتغيير العينة في مؤتمر آخر إلا أن طلبي رفض كون النظرية قدمت في مؤتمر سابق، وعندما ناقشت بعض الزملاء عن الآلية التي ممكن أن نسير فيها للاعتراف الدولي بالنظريات التي قدمناها فخلصنا إلى حاجتنا لدعم الجامعات لتشجيع الباحثين على دراسة هذه النظريات واختبار صحة فروضها والاعتراف بها محلياً ثم توثيقها كمنجزات سعودية في الميادين العلمية، وحث الباحثين بالجامعات على اعتمادها في بحوثهم المحلية لنتمكن من اختبار صحة فرضياتها قبل تصديرها للعالم الخارجي.
وكما نعلم أن البحث في الإعلام الرقمي واستحداث نظريات له من أهم أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها الدول المتقدمة وتهتم فيها لتحقيق أهدافها على المستوى العالمي، فحين وجدت أمريكا عدم حماس الجنود للخوض في الحروب بدأت تستخدم الأفلام الوثائقية التلفزيونية التي ترفع الهمة وتزرع الحماس في دفاعهم عن وطنهم.
سعدت أيضاً في الأسبوع الماضي بقراءة مقال الزميل عبدالعزيز اليوسف باحث الدكتوراه بالإمام عن نظريته بعنوان (الاكتناز التواصلي) التي تؤكد أن المضامين المتشابهة تلاحق الفرد من عدة وسائل حتى مع تكرار المضمون.
وما زال لدي نظرية أخرى بعنوان: (الفلترة الواعية) وهي امتداد لنظرية التوازن والتنافر المعرفي، لكنني ما زلت أضع لها الفروض وأعد لها الدراسة العلمية التي تثبتها، وابحث عن جهة داعمة لها.
نتطلع كباحثين سعوديين وجدنا في الرؤية 2030 محاضن لكل المبدعين أن نجد من يدعم ويرعى نظرياتنا علميًا ومعنويًا وماديًا لتدرج في سير تاريخ النظريات العالمية التي تدرس في الجامعات على مستوى العالم الغربي والعربي.
وأن يكون هناك مسار للبحوث الخاصة بتوليد النظريات فنحن شعب مبدع لديه كثير من الأفكار الخلاقة الأصيلة، لكن تحتاج بيئة إبداعية داعمة، قد نجعل في كلية وقسم ومؤتمر جانب لتوليد النظريات يسمح للباحثين بطرح أفكارهم النظرية بكل جرأة ويدعم المتميز منها وتترجم ثم تصدر خارجياً ليستفيد منها العالم، فاليوم نحن في مصاف الدول المتقدمة ترأسنا الدول العشرين اقتصادياً عن جدارة، وحصدنا المراكز الأولى رقمياً، وإنجازات المملكة العربية السعودية في كثير من المجالات تتحدث عنا ولا يمكننا حصرها في مقال أو كتاب، فنستحق ككتاب ومفكرين وباحثين أن نكون ممن يشاركون في تأسيس النظريات الرقمية العالمية، ونحن كفو لذلك.