اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
قدَّم الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة الكثير من التضحيات وأبلى بلاءً جسناً في كفاحه العادل ونضاله المشروع ضد العدو المحتل في سبيل استعادة أرضه واسترداد حقوقه المغتصبة، ولكن تضحيات أطفال الحجارة وشباب الانتفاضة من أبناء الشعب الفلسطيني المناضل لم يواكبها تضحيات مماثلة في مجال السياسة من قبل القيادات الفلسطينية المتنازعة التي جعلت القضية مطية للارتزاق والمتاجرة، مؤثرة مصالحها الخاصة على مصير شعبها ومصلحة قضيتها.
ونتيجة لما حصل من تخاذل، وما يضاف إليه من التقصير الحاصل من قبل العرب عامة والقائمين على الشأن الفلسطيني بشكل خاص بقيت القضية زمناً طويلاً تراوح مكانها، وتجاوزها زمانها وتلاشى عن ذاكرة الأجيال التالية عنوانها، مما فسح المجال أمام العدو المحتل لكي يستثمر نجاحه عبر الانتقال من مرحلة إلى التي تليها من أجل فرض الأمر الواقع، وإضفاء الشرعية على الواقع المفروض، حيث إنه بمجرد أن يتبع التوسع العسكري عمل استيطاني يتحول ذلك إلى حق مكتسب، ثم يصبح أمراً واقعاً يترتب عليه وضع جديد، يشكل نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى، وهكذا دواليك من واقع حالي إلى واقع تالي ومن مرحلة إلى أخرى.
وبعد أن انكشف القناع، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من الضياع، أدركت القيادة الفلسطينية عدم جدوى السياسة السابقة على ضوء قراءة الخريطة السياسية بصورة موضوعية وطريقة واقعية ترتب عليها تطور الموقف الفلسطيني تطوراً إيجابياً عن طريق تبنّي خطاً سياسياً معتدلاً، وإتباع نهجاً واقعياً متعقلاً، يأخذان بعين الاعتبار موازين القوة السائدة وما آلت إليه القضية من مآلات، مما أفضى إلى اعتراف منظمة التحرير بالقرارات الشرعية الدولية، وبالتالي خروجها من عزلتها وإثبات هويتها على المستوى الدولي، وحصولها على مكاسب على المستويين العربي والدولي وبالتحديد ما تحقق من اعتراف الأمم المتحدة واعتراف دول العالم بدولة فلسطين وما نجم عن ذلك من إنجازات سياسية وقانونية.
وهذا التطور الذي أدى إلى الانتقال من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي، يدل على دلالة واضحة على مدى وعي منظمة التحرير بأن الكفاح المسلح الفلسطيني لم يكن في يوم من الأيام يراهن على قدراته الذاتية، بقدر ما يراهن على جواره العربي عبر تهديد الاستقرار الإقليمي وتحريك عوامله من جراء هذا التهديد، وهو أمر أصبح ضرره أكثر من نفعه، ولم يعد مجدياً التعويل عليه منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
وانطلاقاً من هذا التطور تمت المشاركة في مؤتمر مدريد والموافقة على اتفاقية سلام مع إسرائيل، فيما يُعرف باتفاقية أوسلو وحل الدولتين، كما واكب هذا التطور تطوراً آخر في الموقف العربي تمثِّل في مبادرة السلام العربية مع الأخذ في الحسبان أن الاعتدال العربي أدى إلى الاعتدال الفلسطيني، وفي الوقت نفسه فإن التحول في الموقف الفلسطيني عزَّز مبادرة السلام العربية التي اعتمدت نهجاً سياسياً وتبنت حلاً شاملاً، بعيداً عن الحلول الجزئية التي تؤدي إلى الانحراف بالقضية والذهاب بها في متاهات لا طائل من ورائها.
ورغم أن إسرائيل التفَّت على اتفاقية حل الدولتين وأفرغتها من محتواها، وتركت مبادرة السلام العربية معلقة إلا أن العمل الفلسطيني الموحَّد الذي يضمن تحريك المياه الراكدة، ومحاولة إصلاح ما أفسدته إسرائيل، لم يكتب له النجاح، بسبب تراجع الدور العربي والخلاف بين القيادات الفلسطينية الذي وصل إلى حد الاقتتال بين بعض الفصائل.
ومن سوء الحظ أن الجهود التي بذلت للوصول إلى نوع من الوفاق والاتفاق بين السلطة وحركة حماس سرعان ما توقف مفعولها، ورجع الخلاف إلى سبق عهده بعد أن انسحبت الأخيرة عن اتفاقية مكة، ولم تفِ بما قطعته على نفسها في هذه الاتفاقية، ومرد ذلك والسبب الكامن ورائه يعود إلى علاقتها بتنظيم الإخوان وارتباطها بإيران.
ومن هنا نحت الأمور منحىً خطيراً، وانكشف المستور بعد أن أزيح الستار عن خيانة القضية من أصحابها، والتآمر عليها من داخل وخارج أبوابها، نتيجة لارتماء حركة حماس في أحضان إيران والدخول فيما يعرف بمحور الممانعة الذي يضم كل من إيران والنظام السوري وحزب (اللات) وحركة الجهاد الإسلامي.
وهذا المحور المشبوه الذي تقوده إيران تداعى له جهات أخرى تشترك معه في الأهداف بقيادة النظام التركي وكل الفئتين تتاجر بالقضية الفلسطينية، مدعية مناصرتها في الوقت الذي تعمل ضدها وتوجه سهامها المسمومة إلى عمقها العربي، والأذرع الإيرانية، ومن يدور في فلك النظام التركي ما هؤلاء إلا فئات ضالة وأدوات مستهلكة، خائنة لأوطانها ومتجنية على إخوانها ومتنكرة لعروبتها، وسوف تلقى مصيرها إن عاجلاً أو آجلاً ومن هذا حاله مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه.