«الجزيرة» - الاقتصاد:
حازت إستراتيجيات المملكة وآليات تعاطيها مع الملفات الملحة احترام وتقدير العالم بأسره، فالنموذج الحكومي السعودي بات ملهمًا لكثير من الدول التي تنشد النجاح في اجتياز المشكلات الآنية أو الأخرى ذات المدى البعيد، وليس أدل على ذلك من رؤية المملكة 2030 الطموحة، هذه الرؤية التي خطت في مسارها بتدرج مدروس وخطى سليمة واثقة، فكان أن وضعت المملكة على طريق الإبداع مستشرفة المستقبل المزدهر. كما جاءت تأكيدات شركة أرامكو السعودية بنجاحها في اكتشاف حقلين جديدين خلال الربع الأول من العام الحالي، وهما حقل «هضبة الحجرة» للغاز في منطقة الجوف، وحقل «أبرق التلول» للزيت والغاز في منطقة الحدود الشمالية، وما أعلن عنه سابقًا من اكتشاف لحقل الجافورة للغاز، جاءت عنوانًا لما تتمتع به المملكة من نعم بفضل الله عليها ثم بفضل القيادة الرشيدة. وكان لإسهامات ولي العهد في مجال إعادة بناء مستقبل قطاع الطاقة في البلاد وجعله مساندًا للصناعة والديمومة الاقتصادية الأثر الكبير في تحقيق الإنجازات تلو الإنجازات، ولم تكن جائحة «كورونا» أو «كوفيد- 19» لتوقف مسيرات الإنجازات والازدهار الاقتصادي والصناعي في البلاد، فقد استمرت المملكة وما زالت في تدعيم القاعدة الاقتصادية على الرغم من الظروف القاسية التي سببها الفيروس على مستوى العالم، إلا أن المملكة واجهت الآثار الاقتصادية لانتشار الفيروس بتحدٍ كبير وإصرار على تقليصها إلى أقصى حد. وإضافة إلى تلك الملفات نستعرض في «الجزيرة» ضمن هذا التقرير ملف الأمن «الأمن السيبراني» والتصنيع العسكري السعودي وغيرها من الجوانب الاقتصادية..
تعاطي المملكة مع جائحة كورونا..
أنموذج عالمي
تسبب فيروس كورونا (كوفيد - 19) في إزهاق أرواح ملايين البشر حول العالم وتشتيت الأسر وتهديد اقتصادات الدول، حيث ناشد قادة مجموعة العشرين كل الدول والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمؤسسات الخيرية والأفراد للمساهمة في الجهود وسد الفجوة التمويلية البالغ قيمتها 8 مليارات دولار أمريكي، ولتحقيق هذا الهدف وحماية الأرواح والمحافظة على الوظائف ودعم اقتصادات الدول، مشيدين على أنه لا بد من تضافر الجهود.
وكان محمد بن عبدالله الجدعان وزير المالية وزير الاقتصاد والتخطيط المكلّف قد أكد خلال الربع الأول من هذا العام، أن الحكومة تتوقع استمرار جائحة كورونا حتى نهاية العام الحالي 2020م، لافتًا إلى أن المملكة استعدت خلال السنوات الأخيرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد لمواجهة مثل هذه التحديات، مشيرًا إلى أن الحكومة تتوقع سحب 110 مليار إلى 120 مليار ريال من الاحتياطات كما هو مخطط في الميزانية.
وذكر الجدعان في حينه أنه تم دعم الصناديق الحكومية بأكثر من 14 مليار ريال لتوفير التمويل للقطاع الخاص، كما أشار إلى أن اللجنة المختصة تدرس تأجيل المقابل المالي على المنشآت لستة أشهر أو 9 أشهر، أو حتى الإعفاء إن تطلب الأمر، كما سيتم أيضًا دراسة الإيجارات الحكومية للقطاع الخاص بتأجيل الإيجارات أو حتى إعفاء جزء منها.
وقال إنه تم التوجيه والتأكيد من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد على توفير التمويل اللازم لوزارة الصحة، وتم توفير 47 مليار ريال للوزارة، وقد تم استخدام جزء منه فعلياً، حيث تم شراء مستلزمات صحية تحتاجها الوزارة لمواجهة كورونا، موضحًا بأن دول العالم تتعلم خلال هذه الأزمة من بعضها على مستوى الإجراءات المتخذة على الجانبين الصحي والاقتصادي وكيفية الاستفادة منها خلال الفترتين القريبة والمتوسطة وأن المملكة تتأكد بشكل مستمر من سلاسل الإمدادات ووفرة المواد الاستهلاكية والمستلزمات الأساسية للمواطن والمقيم.
ونوَّه معاليه بدعوة خادم الحرمين الشريفين لقادة دول مجموعة العشرين لأول قمة استثنائية افتراضية، تم خلالها تأكيد الالتزام بالحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة، مشيرًا إلى أن المملكة أطلقت العديد من المبادرات الاقتصادية لدعم القطاع الخاص، وصرفت 23 مليار ريال لسداد مستحقاته حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي.
خطوات إيجابية لتعزيز الاستقرار المالي
والاقتصاد السعودي يواجه التحدي، وسوف يتجاوز مشكلة فيروس كورونا -بإذن الله- فالسياسات المالية، والاقتصادية للمملكة حذرة، وتضع في الحسبان الحلول لأي مشكلة تواجه الاقتصاد الوطني، وتحتاط بسلسلة من الإجراءات، والتي تبرهن على أن اقتصادنا بقيادة الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - في أيدي أمينة، وأن الوطن، والمواطن من أولويات اهتماماتهم.
هذه السياسات والإجراءات حمت اقتصاد المملكة من جميع الأزمات العالمية، وهذا ما يدعونا إلى الفخر، والاعتزاز بالاقتصاد السعودي، وخاصة في ظل التحول الاقتصادي 2020م، والرؤية السعودية 203م، والتي صاغها، ويقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - وبدأت تعطي ثماراها. فنمو الاقتصاد السعودي في الأعوام السابقة، واستمراره في النمو العام الحالي 2020م، والأعوام القادمة بحول الله وقوته، وارتفاع الإيرادات غير النفطية، واستمرار الدولة - أعزها الله - في ترشيد الإنفاق، واتخاذ خطوات إيجابية لتعزيز الأوضاع المالية بما يعود بالنفع على المواطنين، ويعطي مؤشرات بأن الاقتصاد الوطني في وضعه المطمئن.
والملاحظ أنه لا خوف على اقتصادنا من كورونا، حيث إن الاقتصاد السعودي يسير في مساره الصحيح، لأن المملكة تنعم باستقرار سياسي، واقتصادي آمن، وهي عضو فاعل في مجموعة العشرين ومنظمة التجارة العالمية، واقتصادها قوي، ولديها نظام نقدي متين، ومنتجات تمويلية، واستثمارية واحتياطيات كبيرة، وخطط طوارئ، واستعداد لمواجهة المخاطر، وقد دعمت القطاع الخاص بـ 50 مليار لتمويل القروض، وتخفيف الآثار على الاقتصاد. وتؤكد اهتمامها بسلامة المواطن والمقيم، وجميع المسلمين، حيث تم تعليق العمرة، والدراسة والعمل وإلغاء المناسبات، والرحلات الجوية، وهو ما يعبر عن حسن مواقف المملكة بفضل الله، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن المملكة أنموذج يحتذى به في احتواء فيروس كورونا، وهو جهد عظيم ويشكرون عليه في ظل توجيهات الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله.
مبادرات المملكة في مجموعة العشرين
حدث مهم واستثنائي استضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين ورئاستها للدورة الحالية التي بدأت في الأول من شهر ديسمبر، وتنتهي بنهاية نوفمبر من العام القادم 2021. جهود حثيثة قامت بها الأمانة السعودية لمجموعة والوزارات والهيئات الحكومية المعنية، لضمان نجاح رئاسة المملكة للدورة الحالية، وتحقيقها الأهداف المرسومة.
ستسهم رئاسة المملكة في إبراز دورها الدولي، وتأثيرها في الاقتصاد العالمي وتسليط الأضواء عليها ما يستوجب استثمار الحدث إعلاميًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، وبما يعكس صورة المملكة النقية والتحول الكبير الذي طرأ عليها، ويصحح التصورات الخاطئة عنها.
وقبل كل هذا التأكيد على خلق بيئة داعمة لاحتضان أعمال المجموعة لضمان جودة المخرجات وانعكاساتها الإيجابية على المملكة، والدول الأعضاء والعالم أجمع؛ وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته التي جاء فيها «ونعلن للعالم تفاؤلنا وسعينا إلى أن نبني للمجموعة بيئة حيوية للخروج بمبادرات ومخرجات تحقق آمال شعوب العالم». وبالرغم من أهمية الاستضافة لتقديم الملفات ذات الأولوية بالنسبة للمملكة إلا أن القيادة وضعت ضمن أولوياتها تقديم «منظور منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإضافة إلى وجهات نظر الدول النامية»، وهو تقليد لم تحد عنه المملكة في جميع مشاركاتها واستضافاتها الدولية. ولعلي أشير إلى توجيه الدعوات إلى الإمارات، الأردن، فيتنام، جنوب إفريقيا، صندوق النقد العربي، البنك الإسلامي للتنمية، سنغافورة وغيرها من الدول ما يؤكد اهتمام المملكة ببعدها الإقليمي والدولي وسعيها لإشراكهم في أضخم التجمعات الاقتصادية العالمية.
قبل التطرق لمبادرات المملكة، ينبغي التمييز بين الملفات الرئيسة المنقولة من الدورة السابقة ويتم استكمال دراستها في الدورة الحالية، وفق العمل التكاملي لأعمال المجموعة، وبين الملفات التي ستقدمها ضمن مبادراتها النوعية. لذا شدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على مواصلة العمل الذي انطلق من أوساكا وتعزيز التوافق العالمي، في إشارة إلى العمل التكاملي بين دول المجموعة؛ كما حدد أيضًا الهدف العام الذي ستركز عليه المملكة، وهو «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع»، ومحاوره الرئيسة المتمثلة في تمكين الإنسان، الحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة من خلال اعتماد إستراتيجيات لتبادل منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي، وما صدر عنها من مبادرات مهمة في الأمن المائي والغذائي، الاقتصاد الرقمي، الطاقة، والمرأة والشباب.
وبالتركيز على جهود المملكة في ملف التغير المناخي، المرتبط بمحور الحفاظ على كوكب الأرض. فبالرغم من أن الاقتصاد الوطني قائم على إيرادات النفط، إلا أن جهود المملكة في حماية البيئة، والتغير المناخي، باتت أكثر وضوحًا، وفاعلية، ومنها تبني مبادرات تهدف للحد من مشكلات التغير المناخي وتحقيق الأمن البيئي، وخلق الابتكارات ذات العلاقة بإعادة تدوير الكربون، وخزنه للحد من أضراره البيئية، والاهتمام بإستراتيجية التشجير، إضافة إلى التنويع في مزيج الطاقة والتوسع في إنتاج الطاقة البديلة، ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية. تضع المملكة ثقلها لإنجاح قمة مجموعة العشرين القادمة، واستثمار رئاستها لتقديم المبادرات النوعية التي تهم المنطقة والعالم، وتحقيق التوافق الأمثل الذي سيعزز مخرجاتها بإذن الله.
التصنيف الائتماني وقوة الاقتصاد..
حمل برنامج التحول الاقتصادي السعودي 2020م معه متغيرات عديدة في خطط الدولة، والمجتمع والقطاع الخاص، وأصبحت قيم، وبيئة الأعمال أفضل بكثير من السابق، لا بل إن قطاعات محددة تميزت، ونمت بشكل لافت للانتباه، الأمر الذي جعل المملكة موضع تقدير، واحترام وكالات التصنيف العالمية.
وكانت هناك هيكلة للاقتصاد السعودي، ومعالجة التشوهات التي تمر به، ومصادر القوة والاستقرار، والتي أعطت نظرة مستقبلية مستقرة، وآمنة للاقتصاد الوطني في إطار، ومنظور إستراتيجي للرؤية السعودية 2030م، والتي صاغها، ويقودها سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله.
فنمو الاقتصاد السعودي المستقر للعام 2019م، واستمرار زايدته في العام الجديد 2020م، والأعوام القادمة، والارتفاع في الإيرادات غير النفطية بسبب استمرار الدولة - أعزها الله - في ترشيد الإنفاق، واتخاذ خطوات إيجابية لتعزيز الأوضاع المالية بما يعود بالنفع على المواطنين، ويعطي مؤشرات بأن الاقتصاد الوطني يسير في مساره الصحيح.
وجعلت المملكة تستثمر في الصناعات الحديثة، والتقنية والطاقة المتجددة، وخاصة الصناعات الذكية، وصناعة السيارات، والمحركات الكهربائية بالإضافة إلى تعزيز نمو الصناعات الحالية في البتروكيماويات، والبلاستيك والأسمنت، والألومنيوم والحديد، وبناء مدن مستقبلية للخدمات والصناعات المستقبلية.
كما أن دعم السياحة المحلية، والترفيه، والفنادق الجديدة، وتجديد المواقع التاريخية، والاستمرار في تحسن بيئة الأعمال، ونقل التكنولوجيا، وتوظيف وتدريب القوى البشرية الوطنية، وانضمام سوق الأسهم السعودي إلى مؤشرات الأسواق الناشئة، وتطوير آليات التداول، وتوافق المؤشرات الاقتصادية السعودية مع المعايير الدولية، كل ذلك عزز قوة الاقتصاد السعودي.
فنمو الاقتصاد السعودي السريع سوف ينافس اقتصادات عالمية في أوروبا وآسيويًا، وسيتغلب على اقتصادات دول متقدمة، وأكبر حجمًا من الاقتصاد السعودي، من خلال برامج التحول الاقتصادي، والإصلاحات الاقتصادية الكبيرة، والتي تبرهن على أن المملكة بقيادة الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - تمرُّ بمرحلة جديدة، وتنمية مستدامة.
الأمن السيبراني..
والتوسع في الاعتماد التقني
مع التوسع الكبير في الاعتماد على التقنية، والتحول الرقمي الذي تشهده المملكة، برزت الحاجة الملحة للأمن السيبراني، وتوفير الحماية للقطاع الرقمي الذي سيكون عصب التعاملات الحكومية وشريان التبادلات التجارية والقلب النابض للاقتصاد والقطاعات المالية وجميع شؤون الحياة. فمن المتوقع أن يستحوذ الاقتصاد الرقمي على 25 في المائة من الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس القادمة.
التوسع في التعاملات الإلكترونية؛ والاعتماد عليها بشكل كلي يتطلب توسعًا موازيًا في الكفاءات القادرة على التعامل الأمثل مع التحول التقني؛ وبخاصة الكفاءات القادرة على حماية المنظومة الوطنية الإلكترونية؛ وتحصينها من الهجمات الخارجية والداخلية؛ وضمان سلامتها واستدامة تشغيلها.
ومنذ إطلاق هدف التحول الرقمي، بدأت المملكة في وضع إستراتيجية الأمن الرقمي، التي اهتم بتفاصيلها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث تم إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وأطلقت مبادرة سمو ولي العهد لإنشاء كلية متخصصة للأمن السيبراني، ومبادرات أخرى مرتبطة بالمؤتمرات والتجمعات العالمية الداعمة لأنظمة وبرامج الأمن الرقمي، ومنها «المنتدى الدولي للأمن السيبراني» الذي يعتبر أحد المنتديات العالمية المهمة، التي تجتمع فيها العقول والكفاءات وتطرح من خلالها التجارب العالمية والتحديات؛ والذي أعلن من خلاله إطلاق سمو ولي العهد لمبادرتين في الأمن السيبراني لحماية الطفل وتمكين المرأة، وهما أمران تهتم بهما المنظمات الدولية ومجموعة العشرين على وجه الخصوص، ويمكن النظر إليهما من خلال تقديم خدمة للأمن السيبراني العالمي، كما أن للمبادرتين إنعكاسات إيجابية مرتبطة بالبعد العالمي الداعم للإصلاحات التي تنفذها المملكة، وبخاصة في الملفات التي يستغلها الغرب في مهاجمتها.