د.عبد الرحمن بن سليمان بن محمد الدايل
هل يتوقف التاريخ ليكتب واقعة معينة أو حادثة بذاتها؟ هذا التساؤل تثيره تلك العبارات التي تبدو بليغة في استخدامها للعبارات المجازية الجميلة فالتاريخ هو أيام تتوالى وأزمنة تتعاقب وأمم وراء أمم وأحداث ينسب بعضها بعضا.
غير أن في حياة الناس أياما يصعب نسيانها وتاريخا يقف العالم حوله مشدوها يبحث وينقب ويدرس ويستنتج وكأنه يوقف عجلة الزمن أمام ضخامة الحدث وشدة تأثيره واتساع رقعة هذا التأثير وعمق أبعاده ومدى استمرارية آثاره. والتاريخ في كل عام يقف أمام يومنا الوطني الذي يوافق الأول من الميزان يستذكر هذا اليوم العظيم الذي أعلن فيه قيام هذا الصرح الكبير المتمثل في المملكة العربية السعودية التي شمخ بناؤها واستمرت انطلاقته قوية في العالم اليوم.
شمخ هذا البنيان وارتفع قويا بفضل الله ثم بحكمة وجهود الفارس البطل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي ظل فترة غير قليلة يجاهد ويكافح من أجل بناء هذا الوطن وتحقيق انطلاقته فقد كانت رحلة جهاده شاقة وطويلة منذ أن استعاد الرياض وانطلق منها لتحقيق الوحدة والبناء يحيط به ويؤازره المخلصون من أبناء الوطن مع أبنائه البررة وإخوانه الكرام وأسرته الفاضلة.
لقد جاءت النتيجة تفرض نفسها على أحداث التاريخ. وليكتب عنها تاريخ العالم بصفة عامة وتاريخ المسلمين بصفة خاصة دروسا في الكفاح من أجل المبادئ ومن أجل البناء. دروسا في التسامح والتكاتف، ودروسا في أهمية العمل المثمر في هذه الحياة، وقبل ذلك كله دروسا مضيئة في ثمرات هذا النهج القويم المتمثل في تطبيق شرع الله نصًا وروحًا وأثاره التي تنطق شاهدة بأن الأمة لن يستقيم أمرها أو يصلح حالها إلا بالتمسك بما شرع الله لها لصلاح أمرها في الدنيا والآخرة.
فقد ارتفع بناء الوطن في الفترة زمنية هي قصيرة في عمر الشعوب. وأصبح نموذج المملكة العربية السعودية في التطور والتقدم والتنمية واقعا يعبر عن أن العقيدة الإسلامية إذا تمسك بها المسلمون يكون فيها خلاصهم من المشكلات وتقدمهم نحو المستقبل بخطى واثقة تثبت أقدامهم وتنمي بلدانهم وتبسط فيها مظلة الأمن والأمان وتنشر عليها كافة أدوات التطور الحضاري وعلى رأسها التعليم الذي جعله الملك سلاحا له في معارك التوحيد والبناء والتطوير. ولم يكن هذا النموذج السعودي ليصبح درسا مضيئا في التاريخ لولا فضل الله سبحانه وتعالى الذي أنعم على هذه البلاد بشخصية فذة مخلصة قادرة على قيادة مسيرة الوطن ووضع لبنات تأسيسه على أسس راسخة من شرع الله فأصبح نظامها السياسي لا ينفصل على العقيدة الخالصة التي تفرض المحافظة على المبادئ الأخلاقية التي تحافظ عليها الدولة على كافة متطلبات حياة الإنسان، وتجعل كيان الفرد مرتبطا بكيان الدولة متلازمين على حد سواء ومن هنا كانت الخطط التنموية في المملكة مركزة على بناء الوطن بالمفهوم الشامل الذي جعل المواطن في قمة المشروعات البنائية والتنموية مما جعل ثمرات هذه التنمية مفخرة لكل مواطن سعودي وصرحًا شاهدًا على عظمة الإنجاز في مجالات التعليم والصحة والأمن والإعلام والتجارة والصناعة والزراعة والعمران وغيرها من المجالات.
إن ذكرى اليوم الوطني في كل عام تثير من الدروس ما يصعب حصره، وإذا كان العالم اليوم يمر بفترات عصيبة ومخيفة تتطلب الإنصات إلى صوت العقل والحكمة فإن ما تقوم به المملكة في هذا المناخ الدولي ليستمد روحه وسلوكه من نهج الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله فقد اتسم أداؤه السياسي بالحكمة والشجاعة والصراحة والوضوح حتى كتبت عنه الصحافة الأجنبية في أوروبا وكان ذلك بمناسبة مرور خمسين عاما على استعادة الرياض كتبت تقول: (إن الملك عبدالعزيز هو حدث فذ في التاريخ.. وأن نجاح الملك عبدالعزيز المستمر ورزانته وحكمته وبعد نظره هي أمور نقدرها كل التقدير... فقد سفه جلالته آراء ناقديه كبارهم وصغارهم وشاهد العالم أعماله في أوقات الرخاء وأوقات الشدة وعلى الأخص في السنوات الصعبة أثناء الحرب العالمية الثانية، ورأى دأبه على الاحتفاظ بالتوازن والاستقرار، فلا سراء ولا ضراء ولا عسر ولا يسر صرف أفكار الملك عن الهدف العظيم الذي كان يرمى إليه من بناء ملك منظم حسن الإدارة جدي الحكم.. فالملك كما لاحظ ولأول وهلة كل من الرئيس روزفلت والمستر تشرشل - وكلامها لا يستهان بحكمة - هو من أبرز رجال هذا العصر وهو حصن من حصون العالم الحديث) والكاتب وهو صحافي بريطاني وهو المستر كنيث وليمز.
إن هذه الصفات للملك الحكيم العادل عبدالعزيز يرحمه الله يحتاج إليها عالمنا اليوم فالعالم لا يزال في حاجة إلى أن يقف أمام نموذج المملكة في السياسة والحكم والبناء ليأخذ الدروس والعبر التي تفيد في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام والتنمية والتطور والتلاحم والإخاء. فما أكثر الدروس التي يمكن أن نستفيد منها اليوم في ذكرى اليوم الوطني الذي سيظل التاريخ يذكر بكل فخر واعتزاز ويسجله في أنصع صفحاته ويتوقف عنده من حين لآخر يبحث في دروسه ويستخلص من عبره سلمت يا وطن لتكون نموذجا مضيئا على مر السنين وبعون الله فإن المملكة العربية السعودية - كما يؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله بأن المملكة ستبقى حصنًا قويًا لكل محب للخير ومحب لدينه ووطنه - حفظ الله وطننا وأدام علينا أمننا ونهضتنا سلمت يا وطن نموذجا مضيئًا على مر السنين.
** **
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقًا