د. عيد بن مسعود الجهني
اليوم الوطني.. يوم مشهود في تاريخ الأمم، لكنه في بلاد الحرمين الشريفين يعد حدثًا وطنيًا عظيمًا يذكره كل مواطن بالشكر والتقدير والمحبة والعرفان والامتنان بالجميل للمؤسس والموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ولا يمكن ذكرها إلا ويتداعى أمامنا يوم الخامس من شهر شوال 1319 كان استرداد الرياض، فمع إشراقة صباح ذلك اليوم المبارك عادت الرياض عاصمة الأجداد إلى آل سعود على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ورفاقه الأبطال، الذين حرصت القيادة السعودية على تكريمهم.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز:
(لقد كان استرداد الملك عبدالعزيز للرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ - 1902م اللبنة الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية في حين تعود جذور هذا التأسيس إلى مئتين واثنين وستين عاماً، عندما تم اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله عام 1157هـ - 1744م، فقامت بذلك الدولة السعودية الأولى على أساس الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، ثم جاءت الدولة السعودية الثانية التي سارت على الأسس والمبادئ ذاتها).
ويعد فتح العاصمة الرياض حدثاً ضخماً ارتجت له أركان الجزيرة العربية، وأساساً لدولة سيكون لها اسمها الكبير وأثرها البالغ، ومكانتها العالية، ولم تكن مهمة استردادها مهمة سهلة، فقد كان دونها خرط القتاد، ولعل أول أسباب النصر أن تلك المعركة كانت انتصاراً للدين، وقد وعد الله أن ينصر من ينصره فقال {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد 7).
قال الشاعر حسين بن نفيسة في فتح الرياض:
تأَلّق في العُوجا الهدى ثُم أًنورا
وَنادَى مُنادي الْعدلِ والجُور أَدبرا
وأَخضب مِنها الربع إِذا كان مُمْحلا
وأَمْطر فِيها الْجُود حتى تَكثرا
وسَارت عَلى رغم الأنُوف سبية
يَمن مَحمودُ السَجايا غَضنفرا
حقاً لقد كان استرداد الرياض اللبنة الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية على أساس مبادئ الشريعة السمحة، وأساساً لما وصلت إليه بلاد الحرمين الشريفين من عز وتمكين، وما أفاء الله به عليها من أمن واستقرار.
وبعد الفتح المبين الذي سجله التاريخ الحديث كأهم الأحداث في جزيرة العرب، انطلقت سفينة التوحيد لمعظم أجزاء شبه الجزيرة العربية.
وقبل فتح الرياض كانت الجزيرة العربية تمر بظروف خاصة، فقد كانت مقسمة إلى أجزاء وكان أهلها يعيشون حياة بدائية، وساد الانقسام بين أهل الجزيرة العربية مما جعلها مرتعاً للفتن والشقاق والنزاعات والصراعات والحروب الدامية، وكانت الحالة الأمنية متردية خاصة بالنسبة للحجاج والمعتمرين وحالة الأمن في المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها معدومة، بل وصل الأمر مرحلة أن سكان أي حي في مكة المكرمة كان ليس بمقدورهم التنقل من حي إلى آخر إلا بشكل جماعي خوفاً من الاعتداء عليهم.
وقد كانت المعارك التي دارت على أرض البلاد منذ فتح الرياض، معارك مصيرية جاءت آثارها الظاهرة بالخير العميم على البلاد والعباد، بدءاً من معركة استرداد الرياض حتى توحيد البلاد عام 1351هـ.
وقد جاء ذلك الحدث المهم بعد أن توالت الفتوحات والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، واستقرت الأمور الداخلية، وصدر الأمر الملكي رقم 2716 وتاريخ 17 - 5 - 1351هـ الموافق 18 - 9 - 1932م بالموافقة على استبدال مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية اعتباراً من يوم الخميس 21 - 5 - 1351هـ الموافق 23 - 9 - 1932م، حيث نصت المادة الأولى من الأمر الملكي يحول اسم (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها) إلى اسم (المملكة العربية السعودية) ويصبح لقبنا بعد الآن (ملك المملكة العربية السعودية).
وقد نصت المادة الثامنة (أننا نختار يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق اليوم الأول من الميزان يوماً لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية) ونسأل الله التوفيق.
وقد شملت مرحلة التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز منذ دخوله الرياض عام 1319هـ - 1902م العناية بالجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية.
ناهيك عن تأسيس عديد من المؤسسات الإدارية، منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى، وإدارة المقاطعات، ورئاسة القضاء، والمحاكم الشرعية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية، ووزارة الدفاع، ووزارة المواصلات، ووزارة الصحة، ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة. كما شملت عناية الملك عبدالعزيز بالحجاج والزوار والمعتمرين إلى بيت الله الحرام فتم في عهده تنظيم الخدمات المقدمة للحجاج وتطويرها، حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين وتأسيس المديرية العام للحجاج وإنشاء المحاجر الصحية، وإيصال مياه الشرب للأماكن المقدسة.
الملك عبدالعزيز جاهد وكافح حتى تحققت واحدة من أهم معجزات العصر الحديث من خلال الإرادة الصادقة والمؤمنة بحق الشعب السعودي في تكوين ذاته وبناء دولته الموحدة القوية، هذا لأن جهاده كان على الحق من أجل العزة والكرامة، من أجل تحقيق العدل والمساواة، من أجل تحقيق معجزة التوحيد التي تحققت، من أجل الدين والوطن والسجايا النبيلة والوفاء وسماحة النفس ونبل الخلق، فحياته كانت زاخرة بكل ما هو مشرف صنعت منه نجماً ساطعاً في سماء الجزيرة العربية والتاريخ العربي.
لذا أصبحت وحدة سياسية وإدارية واجتماعية كبرى، تعد نموذجاً فريداً في الأمن والاستقرار والرفاهة والرخاء والبناء والتضامن والتكافل الاجتماعي بين أفراد الوطن الواحد الذي يعد أسرة واحدة بعد أن عانى الآباء والأجداد في الماضي آلام التفرق والتشتت والتمزق والتشرذم والنزاعات والحروب، ولذا فإن وحدة البلاد جلبت الرفاهية والرخاء والأمن والأمان والاستقرار للأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل.
وللتاريخ لا يمكن أن نتحدث عن هذه المدينة العريقة دون أن نذكر بإيجاز دور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (أمير الرياض سابقاً).
فقد كان وراء كل تطور وتحديث وتنمية مستدامة وازدهار في جميع المجالات، فقد كانت له نظريته في الحكم والإدارة جعلت من إمارة منطقة الرياض نموذجاً لما يجري في بلاد الحرمين الشريفين من تطور وتنمية غير مسبوقة على المستوى العربي، فهو العقل المدبر الذي قاد الرياض في زمن السلم والحرب وعرف بقدرته على إدارة الأزمات.
ومن على أرضها صدرت وتصدر قرارات مصيرية لها تأثيرها البالغ في مستقبل أمن واستقرار جزيرة العرب والدول العربية والإسلامية والسلام الدولي واستقراره الاقتصادي خاصة في ميدان النفط الذي تسيطر المملكة على أكثر من 266 مليار برميل احتياطي مؤكد يجعلها أهم دول العالم إنتاجاً وتصديراً، ومن هذا الموقع القيادي المهم للمملكة كانت وما زالت لها مواقف تاريخية كبرى منها دعمها للشقيقة مصر عام 1956 إبان العدوان الثلاثي عليها والموقف نفسه عام 1967 ثم في عام 1973، فكان الدعم السعودي عسكرياً واقتصادياً ومادياً أحد أهم أسباب النصر في شهر رمضان المبارك/ أكتوبر 1973م.
ويذكر التاريخ الحديث القرار السعودي الذي اتخذته المملكة ضد العدوان العراقي الغادر على دولة الكويت الشقيقة في أوائل شهر أغسطس 1990م الذي كان هو سبب التحرير وهو نفس القرار ضد التدخل الإيراني البغيض في مملكة البحرين الشقيقة.
ويذكر التاريخ قرار خادم الحرمين الشريفين التاريخي في التصدي للحوثيين وطهران في اليمن الشقيق دعماً لحكومته الشرعية والشعب اليمني.
الرياض العاصمة تتقدم من تطور إلى آخر ففي 12 رجب 1440هـ الموافق 19 مارس 2019 أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أربعة مشروعات كبرى في مدينة الرياض، بلغت تكلفتها الإجمالية 86 مليار ريال، تشمل: مشروع حديقة الملك سلمان ومشروع الرياض الخضراء ومشروع المسار الرياضي ومشروع الرياض آرت.
من تلك المشاريع حديقة الملك سلمان التي حسب حجمها ونوعيتها أكبر حدائق المدن في العالم بمساحة تبلغ 13.4 كيلو متر مربع ونظراً لأهمية المشروع فقد خصصت له أرض قاعدة الملك سلمان الجوية (مطار الرياض القديم) الذي تبلغ مساحته أكثر من 13 كيلو متراً مربعاً.
وتعد حديقة الملك سلمان مشروعاً بيئياً ترفيهياً ثقافياً استثمارياً، يضم حدائق ومناطق خضراء وساحات مفتوحة تزيد مساحتها عن 9.3 مليون متر مربع.
كما تحتوي الحديقة على مرافق سكنية ومكتبية وتجارية وفندقية، من بينها مجمعات للمباني السكنية توفر 12 ألف وحدة سكنية مختلفة، و16 فندقا توفر 2300 وحدة فندقية، ومساحات تجارية ..الخ.
أما مشروع (المسار الرياضي) فيمتد بطول 135 كيلو متراً، مخترقاً مدينة الرياض، ليربط بين وادي حنيفة في غرب المدينة ووادي السلي في شرقها، ويضم أنشطة رياضية وثقافية وترفيهية وبيئية.
كما أن المنطقة الرياضية تمتد من شرق طريق عثمان بن عفان إلى شرق طريق المطار بطول 5 كيلو مترات، وتشتمل على 60 موقعاً رياضياً من بينها 16 ملعب كرة قدم، و18 ملعبًا مغطى، و12 ملعباً مكشوفاً لكرة الطائرة والسلة والتنس، وساحة للتزلج ..الخ.
ويأتي مشروع الرياض الخضراء ليرفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة من 1.7 متر مربع حالياً، إلى 28 متراً مربعاً، وتزيد نسبة المساحات الخضراء الإجمالية في المدينة من 1.5 في المئة حالياً إلى 9 في المئة بما يعادل 541 كيلومتراً مربعاً، وذلك من خلال زراعة أكثر من 7.5 مليون شجرة، في كافة أنحاء الرياض.
وستسهم أعمال التشجير بمشيئة الله، في تحسين جودة الهواء عبر الحد من ثاني أوكسيد الكربون بنسب تتراوح ما بين 3 و6 في المئة وزيادة نسبة الأوكسجين والرطوبة وتقليص الغبار في الهواء، وخفض درجات الحرارة بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية خلال فصل الصيف.
أما مشروع (الرياض آرت) فإنه يهدف إلى تحويل مدينة الرياض إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة والمعاصرة، وذلك من خلال تنفيذ أكثر من 1000 عمل ومعلم فني من إبداع فنانين محليين وعالميين أمام الجمهور في مختلف أرجاء الرياض، لتشكل أكبر مشاريع فن الأماكن العامة في العالم.
ليس هذا فحسب فالرياض تحتضن مشروعاً عملاقاً إنه مشروع القدية أحد المشروعات السياحية الضخمة أحد مبادئ رؤية 2020 - 2030 التي تهدف إلى تنويع الموارد الاقتصادية للمملكة وجعلها وجهة سياحية، وتقع مدينة القدية على بعد 40 كم من وسط مدينة الرياض بتكلفة تبلغ (10) مليارات دولار، وتبلغ مساحة المشروع الإجمالية 334 كيلو متراً مربعاً وبذا فإن مساحتها تبلغ مرتين ونصف مساحة (ديزني لاند) التي تبلغ مساحتها 110 كم2 فقط.
ولكل مشروع من هذه المشاريع هدفه ومنها الاقتصادي حيث تخطط الدولة للخروج من عباءة النفط، لذا يتوقع أن يسهم المشروع في نمو الاقتصاد السعودي بمبلغ يصل إلى نحو 17 مليار ريال سعودي سنوياً.
ولا تتوقف مشاريع الرياض المتعددة الجوانب والأهداف الاقتصادية والتنموية والإستراتيجية عند حد معين فهي مستمرة لتلبي احتياجات عاصمة كبرى تخطى عدد سكانها الـ(6) ملايين نسمة، فكان لا بد لها من وسيلة مواصلات كبرى فجاء قطار الرياض ليلبي بعض متطلبات العاصمة فخصصت الدولة لهذا المشروع (23) مليار دولار تكلفة بناء خط يبلغ طوله 176 كيلو مترًا، إنه برنامج طموح يلبي حاجات اقتصادية واجتماعية وغيرها في بلاد الحرمين الشريفين ضمن محددات رؤية 2020 - 2030.
ولا شك أن مشاريع حديقة الملك سلمان، والمسار الرياضي والرياض الخضراء، والرياض آرت، والقدية، وقطار الرياض التي تبلغ تكلفتها الإجمالية أكثر من 186 مليار ريال وغيرها من المشاريع تعد في علم الاقتصاد والاستثمار والإدارة والزراعة والرياضة نقلة كبرى في ميدان تطور هذه المدينة التاريخية التي دخل اسمها التاريخ كواحدة من أهم مدن العالم تطوراً وتقدماً في جميع الميادين.
الرياض عاصمة البطولات والتاريخ يدير دفة أمورها اليوم بنجاح منقطع النظير أمير همام الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود.
الأمير فيصل العقل المدبر والعنصر الفعال تسلّح بالعلم والفكر النيّر والحكمة وبُعد النظر، يجلس في المكان القيادي المهم يقرر القرارات ويصدر الأوامر لتحقيق الغاية المطلوبة لراحة المواطنين وتحقيق الصالح العام، يساعده نائبه الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود وعنصر بشري خلاق في إدارة دفة العمل والمسؤوليات الجسام.
والله ولي التوفيق،،،