د. محمد عبدالله الخازم
الوطن هو الوطن في الرخاء والشدائد، لكن علاقات الناس به هي التي تتأثر بالظروف والأحداث والظواهر المحيطة، فتشعر بالحنين للوطن أو تشعر بأنه أمر مفروغ منه التفكير فيه فهو هناك دائماً، أو هي تخلط بين الوطن وممارسات أهله، الجميل والمزعج منها. لا أدري كيف يكون مفهوم الوطن في ظل الجائحة؟ هل ستتغيّر مفاهيم الوطنية وولاءاتها؟ هل يستشعر الناس حنان الوطن في الظرف الصعب أم يحمّلونه مسؤوليات لم يكن مستعداً لها؟ هل يشعر الناس بالخوف على الوطن أم أن جائحة كورونا ساوت بين كل الأوطان، ووضعت مشاعر الناس في موقع الحياد؟
هل فكرنا كيف هو الوطن داخلنا وقت المحن والشدائد والأمراض؟ كيف ستتغير سلوكياتنا وعلاقاتنا بالوطن نتيجة جائحة كورونا؟ كيف نحافظ على شعلة الحب والدفء الوطنية داخلنا في ظل الجوائح؟ هل سنُعلم ونُربي على محبة الأوطان كما كنا نفعل في السابق أم الأمر سيختلف في العصر الرقمي وكورونا؟ ما هي الدروس التي نتعلمها نتيجة المحن ومنها محنة هذا الوباء اللعين؟
أسئلة وأسئلة عديدة، لا توجد لها إجابات واضحة وربما بعضها يحتاج مستقبلاً طويلاً قبل التوصل لإجابات فلسفية مقنعة حولها. نحن رغم عمر وطننا المديد، ما زلنا نسأل عن الدروس التي تعلّمناها في تأسيسه وتعلمانها في بنائه وتعلّمناها في محنه وشدائده. وفي عصر معلوماتي مختلف نتوقّع تطور تلك الأسئلة والبحث عن دروس بشكل مختلف. ما زالت وحدة بلادنا مادة خصبة للدراسة والتأمل..
لنعود بالأسئلة لواقع الاحتفاء بيوم الوطن لهذا العام، كيف نشعر بالزهو مع ما قدِّم لنا خلال هذه الجائحة؟ كيف نحمد الله على مبادرات صحية خفَّفت مصابنا وآلامنا بتقليص أعداد المصابين والوفيات جراء وباء كوفيد19؟ كيف نحمد الله على مبادرات تعليمية حاولت أن تبقي أولادنا في أجواء التعليم وإن كان بطرق مختلفة؟ كيف نحمد الله على مبادرات أمنية ساندت التعليمات الصحية فضبطت الأمن وأسهمت في تطبيق التدابير المطلوبة؟ كيف نحمد الله على دعم اقتصادي لم يترك اقتصادنا للشلل وقلَّص البطالة ودعم المحتاجين؟ كيف نحمد الله على إقامة شعائر الحج وفق متطلبات الوقاية من كوفيد19؟ كيف نحمد الله على أن عدنا وواصلنا الركض والبناء؛ يد تحارب على الحدود ويد تعمر في الداخل، شباب في ميادين الصحة وشباب في ميادين الرياضة، طلاب في الداخل وطلاب في الخارج، سياح في البحر وسياح في الجبل؟ والأهم من كل ذلك كيف نحمد الله على سلامتنا وسلامة من يعز علينا من هذا الوباء؟
كيف نستحضر ما قدَّمه وطننا وقدَّمته حكومة بلادنا خلال تسعين عاماً منذ إعلان الكيان الشامخ «المملكة العربية السعودية» على يد المغفور له الملك عبدالعزيز؟ كيف نستحضر نمو هذا الوطن الواحد داخلنا بعد أن كان قبائل وأوطاناً؟ كيف نشكر الوطن بأن كان لنا (المملكة) الحنون التي تحمينا من فواجع الزمن ومن أوجاعه؟
وطن داخل قلوبنا وجوانحنا، نحمد الله على وجوده. حفظه الله وأبقاه شامخاً، رمز الأمان لحاضرنا والأمل لمستقبلنا، ومنبع العطاء والرحمة الذي نعوّل عليه ونحتمي بظله في السراء وفي المحن.