د.عيد بن حجيج الفايدي
في كل قرية أو مدينة مبنى له حكاية وقصة بعنوان «المبنى المهجور» الذي تركه من كان يستخدمه كقلعة أو قصر أو مسجد أو مدرسة أو مبنى للسكن الخاص ومع مرور الزمن تركه المالك أو ورثة ذلك المالك. أو انسحب مقاول المشروع ومن هنا ليس كل مبنى مهجور هو مبنى قديم أو متهالك ولكن مهما اختلف نوع المبنى فإن له حكاية أو قصة أو سجلا تاريخيا مشوقا ترتفع قيمته ومكانته مع مرور الزمن محتفظا بمساحته المحدودة. ولكن مسميات تلك المباني تختلف باختلاف الأهداف من إنشاء المبنى الذي اتصف بأنه مهجور وأنه من الأطلال.. والأطلال مرحلة من مراحل عمر ذلك المبنى قد يكون مصيره الإزالة أو التحديث أو التجديد وفي الشعر الجاهلي شواهد من الشعر على الوقوف على الأطلال منها قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوا بين الدخول فحومل
وما زال هذا الأساس عند الإنسان حتى العصر الحاضر فهو يتذكر من المباني التي لها محطات في حياته وإذا كانت تلك الأطلال تثير العواطف والأحاسيس عند الشعراء فإن المباني المهجورة في العصر الحاضر لها آثار سلبية مختلفة تشمل الجانب الأمني والصحي والاجتماعي وكل جوانب الحياة فهي موحشة نهارا ومظلمة ليلا وانتقلت من مرحلة النفع الإيجابي إلى مصدر قلق وخطر ليس للمكان التي هي فيها بل تتسع دائرة الخطر لتشمل المجتمع كله لأن ذلك المبنى هو مكان وبؤرة مناسبة وملائمة لكل أنواع الجريمة والمجرمين والحيوانات والحشرات الخطيرة مع تكدس المخلفات المختلفة داخل تلك المباني المهجورة، والمباني المهجورة ليست مشكلة محلية بل هي مشكلة عالمية تمت الإشارة إليها في صحف محلية وعربية وعالمية وأشارت لها كتب مثل كتاب بعنوان (قلاع مهجورة) استعرض فيه مؤلفه القلاع المهجورة حول العالم، والمباني المهجورة لا تقتصر فقط على القلاع والحصون بل تشكل كثيرا من المباني الخاصة والحكومية الحديثة وقد أعلنت وزارة التعليم سحب أكثر من مشروع من المقاول الصيني حتى لا تتحول تلك المباني إلى بؤر للجريمة.
ويمكن الإشارة إلى مبان أخرى كنموذج لمشكلة المباني المهجورة مثلا في مدينة الرياض في شارع السويلم «الديرة» مبنى قديم وعليه لوحة قديمة (مرور الرياض عام 1372)، وعندما تنظر إلى المبنى من الخارج تجده سليما ولا تظهر عليه مؤشرات التصدع ولكن عندما تنظر من خلال النافذة تلحظ أكوام النفايات التي تمثل خطرا صحيا على البيئة المحيطة، فما الحل؟
الحل هو تأهيله وتحويله إلى متحف للمرور يجمع كل ما يتعلق بالمرور من لوحات وسجلات وتطورات هنا يتحول المبنى إلى سجل لتاريخ الوطن.
وهذا الحل مناسب لذلك المبنى أي أن كل مبنى له ما يناسبه من حل.. وما يناسب هذا المبنى ليس بالضرورة أن يطبق على مبنى آخر وهذا المبنى هو عينة من نماذج كثيرة في الرياض وغيرها تنتشر بها مباني قديمة وحديثة... ولكن مهجورة.
وهنا قد يستغرب القارئ كيف يكون مبنى حديث ومهجور هنا الهجر اختلف ربما يعود لوفاة المالك أو انسحاب المقاول.
وكم من مبان تصل إلى ارتفاعات شاهقة وتقع في مواقع استثمارية ممتازة مهجورة لعدم اكتمال البناء.
حصر وإحصاء ووضع سجل للمباني المهجورة بكل أنواعها هو الخطوة السليمة للوصول إلى القرار الصائب.
وهذا الحصر الإحصائي يجب أن يشمل تلك المحطات المهجورة على الطرق السريعة والزراعية والتي تحتاج إلى صيانة وإعادة ترميم أو إغلاق حتى يحين الوقت المناسب للاستفادة من الموقع.
وبذلك يتضح أن الحل الإيجابي لتلك المباني ليس في الإزالة بل دراسة المبنى من كل الجوانب واتخاذ القرار الاقتصادي السليم للاستثمار الطويل في حال عدم وجود المالك أو عدم تمكن المالك من إكماله فتكون الصناديق الاستثمارية البنكية أو أي صندوق استثماري آخر يتولى إكمال المشروع وفق الإجراءات الاستثمارية التي تضمن حقوق كل الأطراف للحفاظ على الكنز المفقود في المباني المهجورة.