عبدالمحسن بن علي المطلق
نسجت علاقتي بخالي فهد بن عبدالعزيز بن عبدالمحسن المطلق منذ وعيي الباكر يوم كان يصحبني إلى مدرسة (الفلاح) في بطحاء الرياض (البطحاء) لأخذ دروس تقوية ربما كنت (ثاني ابتدائي)، طفل صغير بعدهُ لم يع من الدنيا ما يمكن أن يُحسب وإلى أن امتدّ ذاك الرابط، فبلغت أواصره حين قاربت الثامنة والثلاثين يوم اقترنت بـ»كريمته» فبين تلك المساحة أقصد المسافة البارزة من زُهاء حياة قضيتها في أكناف تودده عليّ ودعاباته معي، ولطائف ما كان يغشى الجلسات معه، بخاصة أن مصاهرته التي شدّت من وثاق حبائل تقربي منه، وما إن اتى ابني (زياد) قال لي وقد نسي أن أمّـه ابنته-: «فرحت به لأجلك.. لنرى لك عُقبا، و..»، يقول لي الكلمات فيما ذهني يغور بما هو أعمق دلالة الآية التي فحواها دعوة زكريا {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}.
(أبو ثامر).. تجمعني به بالإضافة لما تقدم وكذا أنه خالي.. فجدّ لأبنائي/ كثير من الذكريات التي لم يغبّ تدوين وقائعها إلا بعد أن بدأت معه «الجلطة» قبل عام ونيفٌ.. هنا وقد أمست الجلسة معه تؤلمني، لإنها اختلفت عما عُهد! فهو إما سارح في غياهب آلامه - وقد تضاعف منه الوهن -، أو آتيه فإذا هو في سبات، وإن فلحت به.. إلا وهو بين يدي علاجات قلما يعي من حوله منها، ولا غرو فالنص البياني العظيم {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} شاهد له لا عليه، ثم أتى وباء «كورونا» والذي حَرم الأصحاء من بعضهم، فكيف بمن هم مسجورين بالداء !، ما صيّر حتى تلك اللقاءات التي على ما عليها من صبغة كدر -كما تقدم- أهون مما أخلفته وقائع الوباء.. فكيف به وقد فرّق بين أهل الوصل درجة كادت تجفف ينابيع التواصل! إلا ما شاء الله.. من نزر جمعات تأتي إمّا على تخوّف، أو قريب من الخلسات وحسب الحذر كل الحذر هو -عندئذ - أبرز عناوينها المهم ما إن استفحل به الداء إلا وكانت ردة فعلنا للوقعة الأولى أن تداعى لداءه أعضاء الأسرة بالسهر.. والتوجّع ولو بالمشاركة المعنوية، ألا يقال (مصاحب المريض مريض مثله)..! حتى إذا ما تعافى قليلاً بدأت أساريرنا تنفتح وتأمّل لكن أيننا وذاك (الداء) الذي علق منه كل شيء.. وعلى ترسّلٍ وقد كان يصعد بحالته ويهبط، حتى أتاه الأجل بالأمس.. بُعيد صيام عاشوراء..
انتهى الأمر بحكم من بيده الأمر سبحانه فرحل خالي، وأمسى منه الدار منه خالي فليس بما نُملي عنه وآفٍ ولكن ما نتملآه ممن هم ( أقصد تواجدهم) لنا حياة، وهذه.. لا أُبعد في تقشير عصاها.. مما قاربته لأفاهمنا الآية { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حي}.
لا أدري كيف أصف قرابته لي، فهو تجمعني به معارف لا معرفة واحدة.
فوالده خال والدي كما أنه هو خالي- أخ لأمي- ونلتقي بالجد الرابع من الأسرة ثم أمسى منّي أبّاً لزوجتي، وبالتالي جدّ أبنائي [زياد] و[شمس].. إذاً فأنا أُحدّث عن قرابات فضلاً عن رحم، وخليط دم.. ولعل تلكم شوافع إن أفضت عما له من تأثيرٍ بي، مع ما فاض علي قِبله يوماً أعطاني مهجة قلبه، فكان يباسمني:
(سويت معك مثل ما سوّى أبوي مع أبوك.. يوم عطاه بنته) ربي اجعل بسماته تلك.. عندك/ لا تفارقه..
كان من حظّي أن أخذت أيقونة قلبه وأحد درر حياته (كريمته) التي كفاها حظوةً لدي أنها التي اختار لها اسم جدّتي لأُمي (نورة بنت عبدالرحمن المطلق) جعلها الله ووالديها بالفردوس الأعلى، فـ(نورة..) التي وقد نوّرت لي الحياة دقيقها والجليل كـ(شريكة) لحياة برمتها، ولأُكمل بحديث (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي) حسّنه الألباني.
فـ(تحبيري) ليس تقييماً له، بل جواب عن جم وشائج به تربطني، خلاف ما أبديت من علاقة به خاصّة.
لك وبلساننا جميعاً نمهر (أبا ثامر) الدعوات برحمات غوادٍ عليك، ورائحات..
فإني...أذكّر نفسي وكل محب -له- بالدعاء مع إشارة جليلة لكم تناقلناها بـ(الوتس آب) مفادها.. بأن/ الذي يدعوا لوالديه قد نال تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (أو ولد صالح يدعو له)..
قال أحد السلف:
(رأيت أخاً لي في النوم بعد موته، فقلت: أيصل إليك دعاء الأحياء؟
قال: والله يترفرف مثل النور ثم نتلبسه)! ربي أشمله وموتى المسلمين بالرحمات، واجعل قبورهم من رياض الجنات.
*قفل
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.